الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
أما من استغنى فأنت له تصدى

تقدم الكلام على ( أما ) في سورة النازعات أنها بمعنى : مهما يكن شيء ، فقوله : أما من استغنى تفسيره مهما يكن الذي استغنى فأنت له تصدى ، أي : مهما يكن شيء فالذي استغنى تتصدى له ، والمقصود : أنت تحرص على التصدي له ، فجعل مضمون الجواب وهو التصدي له معلقا على وجود من استغنى وملازما له ملازمة التعليق الشرطي على طريقة المبالغة .

والاستغناء : عد الشخص نفسه غنيا في أمر يدل عليه السياق : قول أو فعل أو علم ، فالسين والتاء للحسبان ، أي : حسب نفسه غنيا . وأكثر ما يستعمل الاستغناء في التكبر والاعتزاز بالقوة .

فالمراد بـ ( من استغنى ) هنا : من عد نفسه غنيا عن هديك بأن أعرض عن قبوله ; لأنه أجاب قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - له ( هل ترى بما أقول بأسا ، بقوله : لا والدماء . . . ) كناية على أنه لا بأس به يريد ولكني غير محتاج إليه .

وليس المراد بـ ( من استغنى ) من استغنى بالمال ؛ إذ ليس المقام في إيثار صاحب مال على فقير .

[ ص: 108 ] وهذا الذي تصدى النبيء - صلى الله عليه وسلم - لدعوته وعرض القرآن عليه هو - على أشهر الأقوال المروية عن سلف المفسرين - الوليد بن المغيرة المخزومي كما تقدم .

والإتيان بضمير المخاطب مظهرا قبل المسند الفعلي دون استتاره في الفعل يجوز أن يكون للتقوي ، كأنه قيل : تتصدى له تصديا . فمناط العتاب هو التصدي القوي .

ويجوز أن يكون مفيدا للاختصاص ، أي : فأنت لا غيرك تتصدى له ، أي : ذلك التصدي لا يليق بك . وهذا قريب من قولهم : مثلك لا يبخل ، أي : لو تصدى له غيرك لكان هونا ، فأما أنت فلا يتصدى مثلك لمثله . فمناط العتاب هو أنه وقع من النبيء - صلى الله عليه وسلم - في جليل قدره .

وقرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو جعفر بفتح التاء وتشديد الصاد على إدغام إحدى التاءين في الصاد . والباقون بالفتح وتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين .

والتصدي : التعرض ، أطلق هنا على الإقبال الشديد مجازا .

التالي السابق


الخدمات العلمية