الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
218 - وعن أنس - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ، وواضع العلم عند غير أهله كمقلد الخنازير الجوهر واللولؤ والذهب ) رواه ابن ماجه ، وروى البيهقي في ( شعب الإيمان ) إلى قوله ( مسلم ) . وقال : هذا حديث متنه مشهور ، وإسناده ضعيف ، وقد روي من أوجه كلها ضعيف .

التالي السابق


218 - ( وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( طلب العلم ) أي : الشرعي ( فريضة ) أي : مفروض فرض عين ( على كل مسلم ) : أو كفاية والتاء للمبالغة أي ومسلمة كما في رواية .

قال الشراح : المراد بالعلم ما لا مندوحة للعبد من تعلمه كمعرفة الصانع والعلم بوحدانيته ونبوة رسوله وكيفية الصلاة ، فإن تعلمه فرض عين ، وأما بلوغ رتبة الاجتهاد والفتيا ففرض كفاية . قال السيد : ويمكن أن يعم العلم ويحمل الكلام على المبالغة ا هـ . وفيه تأمل .

قال الأبهري : واختلف في العلم الذي هو فرض وتحزبوا فيه أكثر من عشرين فرقة ، فكان فريق نزل الوجوب على العلم الذي بصدده ا هـ .

قال الشيخ العارف الرباني السهروردي : اختلف في هذا العلم الذي هو فريضة . قيل : هو علم الإخلاص ومعرفة آفات النفس وما يفسد الأعمال لأن الإخلاص مأمور به ، فصار علمه فرضا آخر ، وقيل : معرفة الخواطر وتفصيلها فريضة لأن الخواطر هي منشأ الفعل ، وبذلك يعلم الفرق بين لمة الشيطان ولمة الملك ، وقيل : هو طلب علم الحلال حيث كان أكل الحلال واجبا ، وقيل : علم البيع والشراء والنكاح إذا أراد الدخول في شيء منها ، وقيام علم الفرائض الخمس ، وقيل : هو طلب علم التوحيد بالنظر والاستدلال والنقل ، وقيل : هو طلب علم الباطن وهو ما يزداد به العبد يقينا ، وهو الذي يكتسب بصحبة الصالحين والزهاد المقربين ، فهم وراث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ا هـ .

فإن قيل : ما الفرض قبل الفرض ؟ فقل : العلم قبل العمل ، وإن قيل : ما الفرض في الفرض ؟ فقل : الإخلاص في العلم والعمل ، وإن قيل : ما الفرض بعد العمل ؟ فقل : الخوف والرجاء . ( واضع العلم عند غير أهله ) : بأن يحدثه من لا يفهمه ، أو من يريد منه غرضا دنيويا ، أو من لا يتعلمه لله ( كمقلد الخنازير الجوهر واللؤلؤ ) : بسكون الهمزة ويبدل ( والذهب ) : قيل : يشعر بأن كل علم يختص باستعداد وله أهل ، فإذا وضعه في غير موضعه فقد ظلم ، فمثل معنى الظلم بتقليد أخس الحيوانات بأنفس الجواهر تهجينا لذلك الوضع وتنفيرا عنه ، ولذا قال علي كرم الله وجهه : حدثوا الناس بما يفهمون أو يعرفون ، أتحبون أن يكذب الله ورسوله ، أي : إذا سمعوا ما لم تحط به عقولهم ، فإنهم يبادرون إلى تكذيبه ، وفي تعقيب هذا التمثيل بقوله : طلب العلم إعلام بأن المراد بالطلب طلب من المستعدين ما يليق بحاله : يوافق منزلته بعد حصول ما هو واجب من الفرائض العامة ، وعلى العالم أن يخص كل طالب بما هو مستعد له . ( رواه ابن ماجه ) . يعني : بكماله ، وغيره . كذا في الترغيب للمنذري ( وروى البيهقي في شعب الإيمان إلى قوله : ( مسلم ) وقال : أي : البيهقي ( هذا حديث متنه مشهور ) أي : على ألسنة الناس كذا في بداية الجزري ( وإسناده ضعيف ) ، أي : وإن كان معناه صحيحا كذا قاله النووي ( وقد روي من أوجه كلها ضعيفة ) . لكن كثرة الطرق تدل على ثبوته ويقوى بعضه ببعض . قال المزي تلميذ النووي : إن طرقه تبلغ رتبة الحسن ، وقال العلقمي في شرح الجامع الصغير : رأيت له خمسين طريقا جمعتها في جزء وحكمت بصحته ، لكن من القسم الثاني وهو الصحيح بغيره ، فقول الجزري في البداية : لا أصل له ، أي : ليس له أصل صحيح ، وقد مثل به ابن الصلاح للمشهور الذي ليس بصحيح ، لكن قال العراقي . قد صحح بعض الأئمة بعض طرقه ، هذا وقد ألحق بعض المصنفين بآخر الحديث ( ومسلمة ) وليس لها ذكر في شيء من طرقه .

[ ص: 302 ]



الخدمات العلمية