الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 429 ] قال ( ومن شهد ولم يبرح حتى قال أوهمت بعض شهادتي ، فإن كان عدلا جازت شهادته ) ومعنى قوله أوهمت أي أخطأت بنسيان ما كان يحق علي ذكره أو بزيادة كانت باطلة . ووجهه أن الشاهد قد يبتلى بمثله لمهابة [ ص: 430 ] مجلس القضاء فكان العذر واضحا فتقبل إذا تداركه في أوانه وهو عدل ، بخلاف ما إذا قام عن المجلس ثم عاد وقال أوهمت ، لأنه يوهم الزيادة من المدعي بتلبيس وخيانة فوجب الاحتياط ، ولأن المجلس إذا اتحد لحق الملحق بأصل الشهادة فصار ككلام واحد ، ولا كذلك إذا اختلف . وعلى هذا إذا وقع الغلط في بعض الحدود أو في بعض النسب وهذا إذا كان موضع شبهة ، فأما إذا لم يكن فلا بأس بإعادة الكلام أصلا مثل أن يدع لفظة الشهادة وما يجري مجرى ذلك وإن قام عن المجلس بعد أن يكون عدلا . [ ص: 431 ] وعن أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله أنه يقبل قوله في غير المجلس إذا كان عدلا ، والظاهر ما ذكرناه والله أعلم .

التالي السابق


( قوله ومن شهد ولم يبرح حتى قال أوهمت بعض شهادتي : أي أخطأت لنسيان ) عراني بزيادة باطلة بأن كان شهد بألف فقال إنما هي خمسمائة ، أو بنقص بأن شهد بخمسمائة فقال أوهمت إنما هي ألف ( جازت شهادته ) إذا كان عدلا : أي ثابت العدالة عند القاضي أو لا فسأل عنه فعدل ( ووجهه أن الشاهد قد يبتلى به [ ص: 430 ] لمهابة مجلس القضاء ) إذ طبع البشر النسيان وعدالته مع عدم التهمة توجب قبول قوله ذلك ، بخلاف ما إذا غاب ثم رجع فقال ذلك لتمكن تهمة استغواء المدعي في الزيادة والمدعى عليه بالنقص في المال فلا تقبل ( وعلى هذا إذا غلط في بعض الحدود ) بأن ذكر الشرقي مكان الغربي ونحوه ( أو في بعض النسب ) بأن قال محمد بن علي بن عمر إن تداركه في المجلس قبل ، وبعده لا ، وإذا جازت ولم ترد فبماذا يقضي ؟ قيل بجميع ما شهد به لأن ما شهد به صار حقا للمدعي على المدعى عليه فلا يبطل حقه بقوله أوهمت ، ولا بد من قيده بأن يكون المدعي يدعي الزيادة ، فإنه لو شهد له بألف وقال : بل ألف وخمسمائة لا يدفع إلا إن ادعى الألف وخمسمائة . وصورة الزيادة حينئذ على تقدير الدعوى أن يدعي ألفا وخمسمائة فيشهد بألف ثم يقول أوهمت إنما هو ألف وخمسمائة لا ترد شهادته ، لكن هل يقضي بألف أو بألف وخمسمائة ؟ قيل يقضي بالكل ، وقيل بما بقي وهو الألف ، حتى لو شهد بألف ثم قال غلطت بخمسمائة زيادة وإنما هو خمسمائة يقضي بخمسمائة فقط لأن ما حدث بعد الشهادة قبل القضاء يجعل كحدوثه عند الشهادة ، وهو لو شهد بخمسمائة لم يقض بألف فكذا إذا غلط ، وإليه مال شمس الأئمة السرخسي ، فعلى هذا قوله في جواب المسألة جازت شهادته : أي لا ترد ، لكن لا يقضي ، إلا كما قلنا سواء كان وهمه ذلك قبل القضاء أو بعده .

وروى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله : إذا شهد شاهدان لرجل بشهادة ثم زاد فيها قبل القضاء أو بعده وقالا أوهمنا وهما غير متهمين قبل منهما ، وظاهر هذا أنه يقضي بالكل . وعن أبي يوسف في رجل شهد ثم جاء بعد يوم وقال شككت في كذا وكذا فإن كان القاضي يعرفه بالصلاح تقبل شهادته فيما بقي ، وإن لم يعرفه بالصلاح فهذه تهمة . وعن محمد : إذا شهدوا بأن الدار للمدعي وقضى القاضي بشهادتهم ثم قالوا لا ندري لمن البناء فإني لا أضمنهم قيمة البناء وحده كما لو قالوا شككنا في شهادتنا ، وإن قالوا ليس البناء للمدعي ضمنوا قيمة البناء للمشهود عليه . فعلم [ ص: 431 ] بهذا أن الشهود لا يختلف الحكم في قولهم شككنا قبل القضاء وبعده في أنه يقبل إذا كانوا عدولا ، بخلاف ما إذا لم يكن موضع شبهة وهو ما إذا ترك لفظ الشهادة أو الإشارة إلى المدعى عليه أو المدعي أو اسم أحدهما ، فإنه وإن جاز بعد المجلس يكون قبل القضاء لأن القضاء لا يتصور بلا شرطه وهو لفظة الشهادة والتسمية ولو قضى لا يكون قضاء .



[ فروع ] من الخلاصة : وقف وقفا على مكتب وعلى معلمه فغصب فشهد رجال من أهل القرية أنه وقف فلان على مكتب كذا وليس للشهود أولاد في المكتب قبلت ، فإن كان لهم أولاد فالأصح أنه تجوز أيضا ، وكذا لو شهد أهل المحلة للمسجد بشيء ، وكذا شهادة الفقهاء على وقفية وقف على مدرسة كذا وهم من أهلها تقبل ، وكذا إذا شهدوا أن هذا المصحف وقف على هذا المسجد أو المسجد الجامع ، وكذا أبناء السبيل إذا شهدوا أنه وقف لأبناء السبيل . وقيل إن كان الشاهد يطلب لنفسه حقا من ذلك لا تقبل وقال بعضهم منهم الإمام الفضلي : لا تقبل شهادة أهل المسجد .

وقال أبو بكر بن حامد في جنس هذه المسائل : تقبل على كل حال لأن كون الفقيه في المدرسة والرجل في المحلة والصبي في المكتب غير لازم بل ينتقل ، وأخذ هذا مما سنذكره من كلام الخصاف .



ولو شهدا أنه أوصى لفقراء جيرانه وللشهود أولاد محتاجون في جواز الموصي قال محمد : لا تقبل للابن وتبطل للباقين ، وفي الوقف على فقراء جيرانه كذلك . وفي وقف هلال قال : وتقبل شهادة الجيران على الوقف . قلت : وكذا ذكر الخصاف في أوقافه فيمن شهد على أنه جعلها صدقة موقوفة على فقراء جيرانه أو على فقراء المسلمين وهم من فقراء الجيران قال : تجوز الشهادة لأن فقراء الجيران ليسوا قوما مخصوصين ; ألا ترى أنه إنما ينظر إلى فقراء الجيران يوم تقسم الغلة ، فمن انتقل منهم من جواره لم يكن له في الغلة حق ; ألا ترى أن رجلين فقيرين من أهل الكوفة لو شهدا أنه جعل أرضه صدقة موقوفة على فقراء أهل الكوفة أن الشهادة جائزة فإن الوقف ليس لهما بأعيانهما خاصة ; ألا ترى أن ولي الوقف لو أعطى الغلة غيرهما من فقراء الكوفة كان جائزا ، وكذلك كل شهادة تكون خاصة ، وإنما هي عامة مثل أهل بغداد وأهل البصرة ونحو ذلك أن الشهادة جائزة .

وذكر قبل هذا بأسطر إن شهدا أنه جعلها صدقة موقوفة على جيرانه وهما جيرانه فشهادتهما باطلة ، وكأن الفرق تعينهما في هذه الصورة إذ لا جيران له سواهما ، بخلاف تلك الصورة .



ولو شهدوا أنه أوصى بثلثه للفقراء وأهل بيته فقراء لا تقبل ،



ولو شهد بعض أهل القرية على بعض أهل القرية بزيادة الخراج لا تقبل ، وإن كان خراج كل أرض معينا أو لا خراج للشاهد تقبل ، وكذا أهل قرية شهدوا على ضيعة أنها من قريتهم لا تقبل ، وكذا أهل سكة يشهدون بشيء من مصالح السكة إن كانت السكة غير نافذة لا تقبل . وفي النافذة : إن طلب حقا لنفسه لا تقبل ، وإن قال لا آخذ شيئا تقبل ، وكذا في وقف المدرسة على هذا في فتاوى النسفي . وقيل إن كانت السكة نافذة تقبل مطلقا .



وفي الأجناس في الشهادة على الوصية للفقراء وأهل بيت الشاهدين فقراء لا تقبل لهما ولا لغيرهما .



ولو شهد أنه أوصى بثلثه لفقراء بني تميم وهما فقيران الشهادة جائزة ولا يعطيان منه شيئا .



ولو شهدا أنه جعل أرضه صدقة لله تعالى على فقراء قرابته وهما من [ ص: 432 ] قرابته وهما غنيان يوم شهدا أو فقيران لم تجز شهادتهما . ووضع هذه الخصاف فيما إذا شهدا أنه جعلها صدقة موقوفة على أهل بيته وهما من أهل بيته فهي باطلة . قال : وكذا إذا شهدوا على فقراء أهل بيته ومن بعدهم على المساكين ويوم شهدا هما غنيان قال شهادتهما باطلة ، لأنهما إن افتقرا يثبت الوقف لهما بشهادتهما ،



وكل شهادة تجر نفعا للشاهد أو لأبويه أو لأولاده أو لزوجته لا تجوز .




الخدمات العلمية