الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ المسألة الثالثة ]

[ إذا غاب الأب عن ابنته البكر هل تنتقل الولاية أو لا ]

وأما المسألة الثالثة ( وهي غيبة الأب عن ابنته البكر ) : فإن في المذهب فيها تفصيلا واختلافا ، وذلك راجع إلى بعد المكان وطول الغيبة أو قربه والجهل بمكانه ، أو العلم به ، وحاجة البنت إلى النكاح إما لعدم النفقة ، وإما لما يخاف عليها من عدم الصون ، وإما للأمرين جميعا .

فاتفق المذهب على أنه إذا كانت الغيبة بعيدة أو كان الأب مجهول الموضع أو أسيرا وكانت في صون وتحت نفقة أنها إن لم تدع إلى التزويج لا تزوج ، وإن دعت فتزوج عند الأسر وعند الجهل بمكانه .

واختلفوا هل تزوج مع العلم بمكانه أم لا إذا كان بعيدا ، فقيل : تزوج وهو قول مالك . وقيل : لا تزوج ، وهو قول عبد الملك ، وابن وهب .

[ ص: 404 ] وأما إن عدمت النفقة أو كانت في غير صون فإنها تزوج أيضا في هذه الأحوال الثلاثة ( أعني : في الغيبة البعيدة ، وفي الأسر ، والجهل بمكانه ) ، وكذلك إن اجتمع الأمران ، فإذا كانت في غير صون تزوج وإن لم تدع إلى ذلك .

ولم يختلفوا فيما أحسب أنها لا تزوج في الغيبة القريبة المعلومة لمكان إمكان مخاطبته ، وليس يبعد بحسب النظر المصلحي الذي انبنى عليه هذا النظر أن يقال : إن ضاق الوقت وخشي السلطان عليها الفساد زوجت وإن كان الموضع قريبا .

وإذا قلنا : إنه تجوز ولاية الأبعد مع حضور الأقرب ; فإن جعلت امرأة أمرها إلى وليين فزوجها كل واحد منهما ، فإنه لا يخلو أن يكون تقدم أحدهما في العقد على الآخر ، أو يكونا عقدا معا ، ثم لا يخلو ذلك من أن يعلم المتقدم أو لا يعلم :

فأما إذا علم المتقدم منهما فأجمعوا على أنها للأول إذا لم يدخل بها واحد منهما . واختلفوا إذا دخل الثاني ; فقال قوم : هي للأول ; وقال قوم هي للثاني ، وهو قول مالك ، وابن القاسم ، وبالأول قال الشافعي ، وابن عبد الحكم .

وأما إن أنكحاها معا فلا خلاف في فسخ النكاح فيما أعرف .

وسبب الخلاف في اعتبار الدخول أو لا اعتباره : معارضة العموم للقياس ، وذلك أنه قد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : " أيما امرأة أنكحها وليان فهي للأول منهما " . فعموم هذا الحديث يقتضي أنها للأول دخل بها الثاني أو لم يدخل . ومن اعتبر الدخول فتشبيها بفوات السلعة في البيع المكروه ، وهو ضعيف .

وأما إن لم يعلم الأول فإن الجمهور على الفسخ . وقال مالك : يفسخ ما لم يدخل أحدهما . وقال شريح : تخير فأيهما اختارت كان هو الزوج ، وهو شاذ ، وقد روي عن عمر بن عبد العزيز .

التالي السابق


الخدمات العلمية