الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2329 حدثنا عبد الله بن يوسف حدثنا الليث قال حدثني يزيد عن أبي الخير عن عقبة بن عامر قال قلنا للنبي صلى الله عليه وسلم إنك تبعثنا فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى فيه فقال لنا إن نزلتم بقوم فأمر لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا فإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثني يزيد ) هو ابن أبي حبيب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبي الخير ) بالمعجمة والتحتانية ضد الشر واسمه مرثد بالمثلثة ، والإسناد كله مصريون .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا يقروننا ) بفتح أوله وسكون القاف ووقع في رواية الأصيلي وكريمة " لا يقرونا " بنون واحدة ومنهم من شددها وللترمذي " فلا هـم يضيفوننا ولا هـم يؤدون ما لنا عليهم من الحق " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن أبوا فخذوا منهم حق الضيف ) في رواية الكشميهني " فخذوا منه " أي من مالهم وظاهر هذا الحديث أن قرى الضيف واجب وأن المنزول عليه لو امتنع من الضيافة أخذت منه قهرا ، وقال به الليث مطلقا ، وخصه أحمد بأهل البوادي دون القرى ، وقال الجمهور : الضيافة سنة مؤكدة ، [ ص: 130 ] وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة : أحدها حمله على المضطرين ، ثم اختلفوا هـل يلزم المضطر العوض أم لا ؟ وقد تقدم بيانه في أواخر أبواب اللقطة . وأشار الترمذي إلى أنه محمول على من طلب الشراء محتاجا فامتنع صاحب الطعام فله أن يأخذه منه كرها .

                                                                                                                                                                                                        قال : وروي نحو ذلك في بعض الحديث مفسرا . ثانيها : أن ذلك كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة ، فلما فتحت الفتوح نسخ ذلك ، ويدل على نسخه قوله في حديث أبي شريح عند مسلم في حق الضيف " وجائزته يوم وليلة ، والجائزة تفضل لا واجبة " وهذا ضعيف لاحتمال أن يراد بالتفضل تمام اليوم والليلة لا أصل الضيافة وفي حديث المقدام بن معديكرب مرفوعا " أيما رجل ضاف قوما فأصبح الضيف محروما فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلته من زرعه وماله " أخرجه أبو داود ، وهو محمول على ما إذا لم يظفر منه بشيء .

                                                                                                                                                                                                        ثالثها : أنه مخصوص بالعمال المبعوثين لقبض الصدقات من جهة الإمام ، فكان على المبعوث إليهم إنزالهم في مقابلة عملهم الذي يتولونه لأنه لا قيام لهم إلا بذلك حكاه الخطابي ، قال : وكان هذا في ذلك الزمان إذ لم يكن للمسلمين بيت مال ، فأما اليوم فأرزاق العمال من بيت المال ، قال وإلى نحو هذا ذهب أبو يوسف في الضيافة على أهل نجران خاصة ، وقال : ويدل له قوله : " إنك بعثتنا " وتعقب بأن في رواية الترمذي " إنا نمر بقوم " .

                                                                                                                                                                                                        رابعها : أنه خاص بأهل الذمة ، وقد شرط عمر حين ضرب الجزية على نصارى الشام ضيافة من نزل بهم ، وتعقب بأنه تخصيص يحتاج إلى دليل خاص ، ولا حجة لذلك فيما صنعه عمر لأنه متأخر عن زمان سؤال عقبة ، أشار إلى ذلك النووي .

                                                                                                                                                                                                        خامسها : تأويل المأخوذ ، فحكى المازري عن الشيخ أبي الحسن من المالكية أن المراد أن لكم أن تأخذوا من أعراضهم بألسنتكم وتذكروا للناس عيبهم . وتعقبه المازري بأن الأخذ من العرض وذكر العيب ندب في الشرع إلى تركه لا إلى فعله . وأقوى الأجوبة الأول ، واستدل به على مسألة الظفر وبها قال الشافعي ، فجزم بجواز الأخذ فيما إذا لم يمكن تحصيل الحق بالقاضي كأن يكون غريمه منكرا ولا بينة له عند وجود الجنس فيجوز عنده أخذه إن ظفر به ، وأخذ غيره بقدره إن لم يجده ، ويجتهد في التقويم ولا يحيف ، فإن أمكن تحصيل الحق بالقاضي فالأصح عند أكثر الشافعية الجواز أيضا ، وعند المالكية الخلاف ، وجوزه الحنفية في المثلي دون المتقوم لما يخشى فيه من الحيف ، واتفقوا على أن محل الجواز في الأموال لا في العقوبات البدنية لكثرة الغوائل في ذلك ، ومحل الجواز في الأموال أيضا ما إذا أمن الغائلة كنسبته إلى السرقة ونحو ذلك .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية