الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 156 ] ولما كان هذا الكلام، ومع بلوغ النهاية في حسن الانتظام، وقد حصر الإنسان هذين القسمين مثلا بليغا لكفار العرب ومؤمنيهم، فالأول للمؤمنين التابعين لملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الآتي بها أعظم أنبيائه الكرام محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، والثاني للكفار المنابذين لأعظم آبائهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي يعرفونه منه نقلا يتوارثونه من آبائهم، وقرآنا معجزا كأنهم سمعوه من خالقهم أنه موحد لله مقر بالبعث محذر من غوائله، وكان قد ابتدأ سبحانه الحديث عنهم بما ذكر مما كفروا فيه المنعمين واستحقوا كلتا السوءتين، خزي الدنيا وعذاب الآخرة، أخبر عنهم بما أنتجه تكذيبهم بموعود ربهم وعقوقهم لوالديهم حقيقة أو تعليما بقوله: أولئك أي البعداء [من] العقل والمروءة وكل خير الذين حق أي: ثبت ووجب. ولما كان هذا وعيدا، دل عليه بأداة الاستعلاء فقال: عليهم القول أي: الكامل في بابه بأنهم أسفل السافلين، وهذا يكذب من قال: إنها نزلت في عبد الرحمن بن [أبي] بكر رضي الله عنهما؛ فإنه أسلم وصار من أكابر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فحقت له الجنة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 157 ] ولما أثبت لهم هذه الشنيعة، عرف بكثرة من شاركهم فيها فقال: في أي: كائنين في أمم أي: خلائق كانوا بحيث يقصدهم الناس ويتبع بعضهم بعضا قد خلت تلك الأمم. ولما كان المحكوم عليه بعض السالفين، أدخل الجار فقال: من قبلهم فكانوا قدوتهم من الجن بدأ بهم لأن العرب تستعظمهم وتستجير بهم؛ وذلك لأنهم يتظاهرون لهم ويؤذونهم ولم يقطع أذاهم لهم وتسلطهم عليهم ظاهرا وباطنا إلا القرآن؛ فإنه أحرقهم بأنواره وجلاهم عن تلك البلاد بجلي آثاره والإنس وما نفعتهم كثرتهم ولا أغنت عنهم قوتهم، ثم علل حقوق الأمر عليهم أو استأنف بقوله مؤكدا تكذيبا لظن هذا القسم الذي الكلام فيه أن الصواب مع الأكثر: إنهم أي: كلهم كانوا أي: جبلة وطبعا وخلقا لا يقدرون على الانفكاك عنه خاسرين أي: عريقين في هذا الوصف.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية