الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وللمجتهد أن يقول في مسألة واحدة ( في وقتين لا ) في وقت ( واحد قولين متضادين ) أما كون المجتهد ليس له أن يقول في مسألة في وقت واحد قولين متضادين : فلأن اعتقاد ذلك في الوقت الواحد محال ، ولأنه لا يخلو : إما أن يكونا فاسدين وعلم ذلك فالقول بهما حرام فلا قول أصلا ، أو يكون أحدهما فاسدا ، فكذلك فلا وجود للقولين ، أو يكونا صحيحين فإذا القول بهما محال ، لاستلزامهما التضاد الكلي والجزئي ، وإن لم يعلم الفاسد منهما : فليس عالما بحكم المسألة فلا قول له فيها فيلزمه التوقف أو التخيير ، وهو قول واحد لا قولان .

وروي عن الشافعي رضي الله تعالى عنه مثل ذلك قال [ ص: 610 ] أبو حامد : ليس للشافعي مثل ذلك إلا في بضعة عشر موضعا : ستة عشر ، أو سبعة عشر ، وهو دليل على علو شأنه . وفائدة ذكر القولين من غير ترجيح : التنبيه على أن ما سواهما لا يؤخذ به ، وأن الجواب منحصر فيما ذكر فيطلب الترجيح فيه قال الطوفي : وأحسن ما يعتذر به عن الشافعي : أنه تعارض عنده الدليلان فقال بمقتضاهما على شريطة الترجيح انتهى . وأما كون المجتهد له أن يقول في المسألة بقولين متضادين في وقتين : فلأن اعتقاد ذلك في الوقتين ليس بمحال ، ثم لا يخلو : إما أن يعلم المتأخر منهما ، أو لا ( فإن علم أسبقهما ) أي أسبق القولين ( فالثاني مذهبه ) أي مذهب المجتهد القائل بالقولين ( وهو ناسخ ) لقوله الأول عند الأكثر ; لما فيه من الرجوع عنه ، قال الإمام أحمد رضي الله تعالى عنه : إذا رأيت ما هو أقوى أخذت به ، وتركت القول الأول وقيل : يكون الأول مذهبه أيضا ما لم يصرح بالرجوع عن الأول ، اختاره ابن حامد وغيره ، كمن صلى صلاتين باجتهادين إلى جهتين في وقتين ، ولم يتبين أنه أخطأ ; ولأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد ( وإلا ) أي وإن لم يعلم الأسبق منهما ( فمذهبه ) أي فمذهب ذلك المجتهد ( أقربهما ) أي أقرب القولين ( من الأدلة ، أو ) من ( قواعده ) أي قواعد مذهب ذلك المجتهد . قدمه ابن مفلح في فروعه وغيره . قال أبو الخطاب في التمهيد وغيره : يجتهد في الأشبه بأصوله ، الأقوى في الحجة : فيجعله مذهبه .

( ومذهب أحمد ونحوه ) من المجتهدين على الإطلاق الذين لم يؤلفوا كتبا مستقلة في الفقه - كالليث والسفيانين ونحوهم - فإنما أخذ أصحابه مذهبه من بعض تآليفه غير المستقلة بالفقه ، ومن أقواله في فتاويه ، وغيرها . ومن أفعاله ( ما قاله ) صريحا في الحكم بلفظ لا يحتمل غيره ، أو بلفظ ظاهر في الحكم مع احتمال غيره ( أو جرى مجراه ) أي جرى مجرى ما قاله ( من تنبيه وغيره ) كقولهم : أومأ إليه ، أو أشار إليه ، أو دل كلامه عليه ، أو توقف فيه أو غير ذلك ، وقد قسم أصحابه دلالة ألفاظه إلى أنواع كثيرة ( وكذا فعله ) يعني أنه إذا فعل فعلا قلنا : مذهبه جواز مثل ذلك الفعل الذي فعله ، وإلا لما كان الإمام فعله ( و ) كذا ( مفهوم كلامه ) يعني أنه لو كان [ ص: 611 ] لكلامه مفهوم ، فإنا نحكم على ذلك المفهوم بما يخالف المنطوق ، إن كان مفهوم مخالفة ، أو بما يوافقه ، إن كان مفهوم موافقة ، وفي فعله . ومفهوم كلامه وجهان للأصحاب أحدهما : أن كلا من فعله ومفهوم كلامه : مذهب له قال في شرح التحرير : وهو الصحيح من المذهب قال ابن حامد في تهذيب الأجوبة : عامة أصحابنا يقولون : إن فعله مذهب له وقدمه ، ورد غيره وقال في آداب المفتي : اختار الخرقي وابن حامد وإبراهيم الحربي : أن مفهوم كلامه مذهبه واختار أبو بكر : أنه لا يكون مذهبا له . انتهى . وإذا صح كون مفهوم كلامه مذهبا له ( فلو قال في مسألة بخلافه ) أي بخلاف مفهوم كلامه ( بطل ) كون ذلك المفهوم الذي صرح بخلافه مذهبا له ( فإن علله ) أي علل ما ذكر من حكم ( بعلة ; فقوله ) هو ( ما وجدت فيه ) تلك العلة ( ولو قلنا : بتخصيص العلة ) على الأصح قال في الرعاية : سواء قلنا : بتخصيص العلة أو لا .

وقطع بذلك في الروضة ومختصر الطوفي وغيرهما ; إذ الحكم يتبع العلة ، وقيل : لا يكون ذلك مذهبه ( وكذا المقيس على كلامه ) يعني أنه مذهبه على الأصح قال في الفروع : مذهبه في الأشهر وقدمه في الرعايتين والحاوي وغيرهما ، وهو مذهب الأثرم والخرقي وغيرهما قاله ابن حامد في تهذيب الأجوبة . وقيل : لا يكون مذهبه ، واختاره جماعة .

قال ابن حامد : والأجود أن يفصل فما كان من جواب له من أصل يحتوي على مسائل خرج جوابه على بعضها ، فإنه جائز أن ينسب إليه بقية مسائل ذلك الأصل من حيث القياس إذا تقرر هذا ( فلو أفتى في مسألتين متشابهتين بحكمين مختلفين في وقت لم يجز نقله ) أي نقل الحكم ( من كل منهما ) أي من المسألتين ( إلى الأخرى على الأصح ) كقول الشارع ذكره أبو الخطاب في التمهيد وغيره ، واقتصر عليه المجد وقدمه ابن مفلح في أصوله ، وجزم به في الروضة ، كما لو فرق بينهما ، أو منع النقل والتخريج قال في الرعايتين وآداب المفتي : أو قرب الزمن بحيث يظن أنه ذاكر حكم الأدلة حين أفتى بالثانية ( ولو نص ) الإمام ( على حكم مسألة ، ثم قال : لو قال قائل بكذا ، أو ذهب ذاهب إليه ) . لكان مذهبا له : ( لم يكن ) [ ص: 612 ] ذلك ( مذهبا له ) أي للإمام كما لو قال : وقد ذهب قوم إلى كذا قاله أبو الخطاب ومن بعده وقدمه في الفروع والرعاية وآداب المفتي وغيرهم . ( والوقف مذهب ) يعني أن الإمام إذا سئل عن مسألة وتوقف فيها ، فيكون مذهبه فيها الوقف ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية