الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
السابع : أن يقال : لو قد عارض العقل للشرع لوجب تقديم الشرع ; لأن العقل قد صدق الشرع ، ومن ضرورة تصديقه له قبول خبره ، والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به ، ولا العلم بصدق الشرع موقوف على كل ما يخبر به العقل ، ومعلوم أن هذا المسلك إذا سلك أصح من مسلكهم ، كما قال بعض أهل الإيمان : يكفيك من العقل أن يعرفك صدق الرسول ومعاني كلامه ثم يخلي بينك وبينه ، وقال آخر : العقل سلطان ولى الرسول ثم عزل نفسه ; ولأن العقل دل على أن الرسول يجب تصديقه فيما أخبر وطاعته فيما أمر ; ولأن العقل يدل على صدق الرسول دلالة عامة مطلقة ، ولا يدل على [ ص: 113 ] صدق قضايا نفسه دلالة عامة ; ولأن العقل يغلط كما يغلط الحس ، وأكثر من غلطه بكثير ، فإذا كان حكم الحس من أقوى الأحكام ويعرض فيه من الغلط ما يعرض ، فما الظن بالعقل .

الثامن : أن الدليل الدال على صحة الشيء أو ثبوته أو عدالته أو قبول قوله لا يجب أن يكون أصلا له ، بحيث إذا قدم قول المشهود له والمدلول عليه على قوله يلزم إبطاله ، وهذا لا يقوله من يدري ما يقول ، غايته أن العلم بالدليل أصل العلم بالمدلول ، فإذا حصل العلم بالمدلول لم يلزم من ذلك تقديم الدليل عليه في كل شيء ، فإذا شهد الناس لرجل بأنه خبير بالطب أو التقويم أو القيافة دونهم ، ثم نازع الشهود المشهود له في ذلك وجب تقديم قول المشهود له ، فلو قالوا : نحن شهدنا لك وزكيناك وبشهادتنا ثبتت أهليتك ، فتقديم قولك علينا والرجوع إليك دوننا يقدح في أصل الذي ثبت به قولك ، قال لهم : أنتم شهدتم بما علمتم أني أهل لذلك دونكم ، وأن قولي فيه مقبول دونكم ، فلو قدمت أقوالكم على قولي فيما اختلفنا فيه لكان ذلك قدحا في شهادتكم وعلمكم بأني أعلم منكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية