الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              مسألة قال قائلون إذا اختلطت منكوحة بأجنبية

              قال قائلون : إذا اختلطت منكوحة بأجنبية وجب الكف عنهما .

              لكن الحرام هي الأجنبية والمنكوحة حلال ويجب الكف عنها . وهذا متناقض ، بل ليس الحرمة والحل وصفا ذاتيا لهما بل هو متعلق بالفعل ، فإذا حرم فعل الوطء فيهما فأي معنى لقولنا وطء المنكوحة حلال ووطء الأجنبية حرام ؟ بل هما حرامان إحداهما بعلة الأجنبية والأخرى بعلة الاختلاط بالأجنبية ، فالاختلاف في العلة لا في الحكم .

              وإنما وقع هذا في الأوهام من حيث ضاهى الوصف بالحل والحرمة الوصف بالعجز والقدرة والسواد والبياض والصفات الحسية ، وذلك وهم نبهنا عليه إذ ليست الأحكام صفات للأعيان أصلا ; بل نقول : إذا اشتبهت رضيعة بنساء بلدة فنكح واحدة حلت واحتمل أن تكون هي الرضيعة في علم الله تعالى ; ولا نقول إنها ليست في علم الله تعالى زوجة له ، إذ لا معنى للزوجة إلا من حل وطؤها بنكاح ، وهذه قد حل وطؤها فهي حلال عنده وعند الله تعالى .

              ولا نقول هي حرام عند الله تعالى وحلال عنده في ظنه ، بل إذا ظن الحل فهي حلال عند الله تعالى وسيأتي تحقيق هذا في مسألة تصويب المجتهد . أما إذا قال لزوجتيه : " إحداكما طالق " فيحتمل أن يقال يحل وطؤهما والطلاق غير واقع ; لأنه لم يعين له محلا فصار كما إذا باع أحد عبديه ، ويحتمل أن يقال حرمتا جميعا فإنه لا يشترط تعيين محل الطلاق ثم عليه التعيين وإليه ذهب أكثر الفقهاء ، والمتبع في ذلك موجب ظن المجتهد أما المصير إلى أن إحداهما محرمة والأخرى منكوحة كما توهموه في اختلاط المنكوحة بالأجنبية فلا ينقدح ههنا ; لأن ذلك جهل من الآدمي عرض بعد التعيين ، وأما هنا فليس متعينا في نفسه بل يعلمه الله تعالى مطلقا لإحداهما لا بعينها .

              فإن قيل : إذا وجب عليه التعيين فالله تعالى يعلم ما سيعينه فتكون هي المحرمة المطلقة بعينها في علم الله تعالى ، وإنما هو مشكل علينا . قلنا : الله تعالى يعلم الأشياء على ما هي عليه ، فلا يعلم الطلاق الذي لم يعين محله متعينا بل يعلمه قابلا للتعيين إذا عينه المطلق ، ويعلم أنه سيعين زينب مثلا ، فيتعين الطلاق بتعيينه إذا عين لا قبله .

              وكذلك نقول في الواجب المخير : الله تعالى يعلم ما سيفعله العبد من خلال الكفارة ولا يعلمه واجبا بعينه بل واجبا غير معين في الحال ، ثم يعلم صيرورته متعينا بالتعيين بدليل أنه لم يعلم أنه يموت [ ص: 59 ] قبل التكفير وقبل التعيين فيعلم الوجوب والطلاق على ما هو عليه من عدم التعيين .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية