الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( ويحرم لبس المنسوج بالذهب والمموه به ) هذا المذهب مطلقا . وعليه جماهير الأصحاب ، وقطع به كثير منهم . وقيل : يكره . وقيل : حكم المنسوج بالذهب حكم الحرير المنسوج مع غيره على ما سبق .

فائدة : الصحيح من المذهب : أن المنسوج بالفضة والمموه بها كالمنسوج بالذهب والمموه به ، فيما تقدم . وقال في الرعاية : وما نسج بذهب وقيل : أو فضة حرم . قوله ( فإن استحال لونه فعلى وجهين ) وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والتلخيص ، والبلغة ، والهادي ، والرعاية الصغرى ، والحاويين ، والنظم . فهؤلاء أطلقوا الخلاف فيما استحال لونه مطلقا . وقال ابن تميم : فإن استحال لون المموه فوجهان . فإن كان بعد استحالته لا يحصل عنه شيء . فهو مباح وجها واحدا . وكذا قال في الفائق . وقال في الوجيز ، والمنور ، والمنتخب : ويحرم استعمال المنسوج والمموه بذهب قبل استحالته . وقال ابن عبدوس في تذكرته : يحرم ما نسج ، أو موه بذهب باق . وقال في الفروع : فإن استحال لونه ، ولم يحصل منه شيء وقيل : مطلقا أبيح في الأصح . وقال في الرعاية الكبرى : وفيما استحال لونه من المموه ونحوه بذهب وقيل : لا يجتمع منه شيء إذا حك [ ص: 478 ] وجهان . وقيل : يكره . ولا يحرم وقيل : ما استحال ، ولم يجتمع منه شيء إذا حك : حل وجها واحدا . انتهى .

وحاصل ذلك : أنه إذا لم يحصل منه شيء : يباح على الصحيح من المذهب . وقطع به جماعة . وإن كان يحصل منه شيء بعد حكه لم يبح على الصحيح من المذهب . ففي المستحيل لونه ثلاثة أقوال : الإباحة ، وعدمها ، والفرق ، وهو المذهب قوله ( فإن لبس الحرير لمرض أو حكة ) . فعلى روايتين ، وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والهادي والتلخيص ، وابن تميم ، والنظم ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق ، والمذهب الأحمد . وغيرهم .

إحداهما : يباح لهما ، وهو المذهب ، جزم به في الوجيز ، والإفادات ، والمنور ، والمنتخب . قال المصنف ، والشارح وغيرهما : هذا ظاهر المذهب ، قال في الفروع ، والخلاصة ، وحفيده : يباح لهما على الأصح ، قال في تجريد العناية : يباح على الأظهر ، وصححه في التصحيح ، واختاره ابن عبدوس في تذكرته ، وجزم به في إدراك الغاية في الحكة . وقدمه في الكافي ، والمحرر ، والرواية الثانية : لا يباح لهما . قدمه في المستوعب .

تنبيه :

ظاهر قوله " أو حكة " أنه سواء أثر لبسه في زوالها أم لا ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب ، وهو المذهب ، قدمه في الفروع . وقيل : لا يباح إلا إذا أثر في زوالها ، جزم به ابن تميم . وقدمه في الرعاية الكبرى . قلت : وهو الصواب ، قوله ( أو في الحرب ، على روايتين ) . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والهادي ، والمغني ، والشرح ، والكافي ، والتلخيص ، والبلغة ، وابن تميم ، والنظم ، والفروع ، والفائق ، والرعايتين ، والحاويين ، وغيرهم . [ ص: 479 ]

إحداهما : يباح ، وهو المذهب ، قال المصنف والشارح : وهو ظاهر كلام الإمام أحمد . قال في تجريد العناية : يباح على الأظهر ، قال في الخلاصة : يباح على الأصح ، قال الشيخ تقي الدين في شرح العمدة : هذه الرواية أقوى ، قال في الآداب الكبرى ، والوسطى : يباح في الحرب من غير حاجة في أرجح الروايتين في المذهب ، وصححه في التصحيح . وجزم به في الوجيز ، والإفادات ، والمنتخب ، وإدراك الغاية ، وغيرهم . والرواية الثانية : لا يباح ، اختاره ابن عبدوس في تذكرته . وهي ظاهر كلامه في المنور . فإنه لم يستثن للإباحة إلا المرض والحكة . وقدمه في المستوعب ، والمحرر . وعنه يباح مع مكايدة العدو به . وقيل : يباح عند مفاجأة العدو ضرورة . وجزم به في التلخيص وغيره . وقيل : يباح عند القتال فقط من غير حاجة . قال ابن عقيل في الفصول : إن لم يكن له به حاجة في الحرب حرم قولا واحدا ، وإن كان به حاجة إليه كالجبة للقتال ، فلا بأس به . انتهى .

وقيل : يباح في دار الحرب فقط . وقيل : يجوز حال شدة الحرب ضرورة . وفي لبسه أيام الحرب بلا ضرورة روايتان . وهذه طريقته في التلخيص . وجعل الشارح وغيره محل الخلاف في غير الحاجة . وقدمه ابن منجا في شرحه . وقال وقيل : الروايتان في الحاجة وعدمها ، وهو ظاهر كلام المصنف هنا . قال في معنى الحاجة : ما هو محتاج إليه ، وإن قام غيره مقامه . وقاله المصنف ، والشارح ، وغيرهما . وقال في المستوعب ، في آخر باب فيه : ويكره لبس الحرير في الحرب .

تنبيه :

محل الخلاف : إذا كان القتال مباحا من غير حاجة . وقيل : الروايتان ولو احتاجه في نفسه ووجد غيره . وتقدم في كلام ابن عقيل وغيره ما يدل على ذلك . قوله ( أو ألبسه الصبي . فعلى روايتين ) . [ ص: 480 ] وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والهادي والتلخيص ، والبلغة ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق . إحداهما : يحرم على الولي إلباسه الحرير ، وهو المذهب ، نقله الجماعة عن الإمام أحمد ، وصححه في التصحيح ، والنظم . قال الشارح : التحريم أولى ، وجزم به في الوجيز ، وهو ظاهر ما جزم به في الإفادات ، والمنور ، والمنتخب . لتقييدهم التحريم بالرجل . وقدمه في الفروع ، والكافي ، والمحرر والرواية الثانية : لا يحرم ، لعدم تكليفه . فعلى المذهب : لو صلى فيه لم تصح صلاته ، على الصحيح من المذهب . وقيل : تصح . وقال في المستوعب ، في آخر باب عنه : ويكره لبس الحرير والذهب للصبيان في إحدى الروايتين . والأخرى : لا يكره .

فائدة :

حكم إلباسه الذهب حكم إلباسه الحرير .

خلافا ومذهبا . قوله ( ويباح حشو الجباب والفرش به ) ، وهو المذهب ، وعليه جماهير الأصحاب . ويحتمل أن يحرم ، وهو وجه لبعض الأصحاب . وذكره ابن عقيل رواية ، وأطلقهما في المذهب ، والرعايتين ، والحاويين ، والفائق .

فائدة :

يكره كتابة المهر في الحرير ، على الصحيح من المذهب ، قدمه في الرعاية الكبرى ، وتبعه في الآداب . وقيل : يحرم في الأقيس . ولا يبطل المهر بذلك [ واختاره الشيخ تقي الدين وابن عقيل ] وأطلقهما في الفروع . قلت : لو قيل بالإباحة لكان له وجه .

قوله ( ويباح العلم الحرير في الثوب ، إذا كان أربع أصابع فما دون ) يعني مضمومة . وهذا المذهب ، نص عليه وقدمه في الفروع ، وابن تميم ، وجزم به في المغني ، والشرح ، والهداية ، والمستوعب ، والتلخيص ، وإدراك [ ص: 481 ] الغاية ، والفائق ، وغيرهم . وقيل : يباح قدر الكف فقط ، جزم به في المحرر ، والرعاية الصغرى ، والنظم ، والحاويين ، والمنور . وقدمه في الرعاية الكبرى ، والآداب ، وقال : ليس للأول مخالف لهذا ، بل هما سواء . انتهى .

وغاير بين القولين في الفروع . وجزم في الوجيز : أنه لا يباح إلا دون أربع أصابع . وما رأيت من وافقه على ذلك . وقال ابن أبي موسى : لا بأس بالعلم الدقيق ، دون العريض . وقال أبو بكر : يباح ، وإن كان مذهبا ، وهو رواية عن أحمد ، اختارها المجد ، والشيخ تقي الدين . وأطلقهما في الفائق ، والمذهب : يحرم ، نص عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية