الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        [ ص: 356 ] الحديث الرابع : عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال { خسفت الشمس على زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقام فزعا ، ويخشى أن تكون الساعة ، حتى أتى المسجد . فقام ، فصلى بأطول قيام وسجود ، ما رأيته يفعله في صلاته قط ، ثم قال إن هذه الآيات التي يرسلها الله عز وجل : لا تكون لموت أحد ولا لحياته . ولكن الله يرسلها يخوف بها عباده ، فإذا رأيتم منها شيئا فافزعوا إلى ذكر الله ودعائه واستغفاره } .

                                        التالي السابق


                                        استعمل " الخسوف " في الشمس كما تقدم . وقوله " فزعا يخشى أن تكون الساعة " فيه إشارة إلى ما ذكرنا من دوام المراقبة لفعل الله ، وتجريد الأسباب العادية عن تأثيرها لمسبباتها . وفيه دليل على جواز الإخبار بما يوجب الظن من شاهد الحال ، حيث قال " فزعا يخشى أن تكون الساعة " مع أن الفزع محتمل أن يكون لذلك ، ومحتمل أن يكون لغيره ، كما خشي صلى الله عليه وسلم من الريح : أن تكون ريح قوم عاد . ولم يخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان سبب خوفه . فالظاهر أنه بنى على شاهد الحال أو قرينة دلته عليه . وقوله " كأطول قيام وركوع وسجود " دليل على تطويله السجود في هذه الصلاة وهو الذي قدمنا أن أبا موسى رواه . وفي الحديث دليل على أن سنة صلاة الكسوف في المسجد . وهو المشهور عن العلماء . وبعض أصحاب مالك بين المسجد والصحراء . والصواب المشهور : الأول . فإن هذه الصلاة تنتهي بالانجلاء : وذلك مقتض لأن يعتنى بمعرفة ومراقبة حال الشمس في الانجلاء . فلولا أن المسجد راجح لكانت الصحراء أولى ، لأنها أقرب إلى إدراك حال الشمس في الانجلاء أو عدمه . وأيضا فإنه يخاف من تأخيرها فوات إقامتها بأن يشرع الانجلاء قبل اجتماع الناس وبروزهم . وقد تقدم الكلام على قوله عليه السلام ، { لا يخسفان لموت أحد ولا [ ص: 357 ] لحياته } وأنه رد على من اعتقد ذلك . وفي قوله " فافزعوا " إشارة إلى المبادرة إلى ما أمر به ، وتنبيه على الالتجاء إلى الله تعالى عند المخاوف بالدعاء والاستغفار . وإشارة إلى أن الذنوب سبب للبلايا والعقوبات العاجلة أيضا ، وأن الاستغفار والتوبة سببان للمحو ، يرجى بهما زوال المخاوف .




                                        الخدمات العلمية