الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( المسألة الرابعة ) إناء وقع فيه روث عصفور وتوضأ به مالكي وصلى يجوز للشافعي أن يصلي خلفه ولا يضر ذلك الشافعي كما لا يضره ترك المالكي البسملة وغيرها مما يعتقده الشافعي ولو اختلط هذا الإناء بإناء طاهر فاجتهد فيه هذا الشافعي مع شافعي آخر لا يجوز لأحدهما أن يقتدي بالآخر إذا اختلفا في الاجتهاد ولو اجتمع مالك والشافعي رضي الله عنهما واجتهدا في روث العصفور فحكم مالك بطهارته والشافعي بنجاسته جاز للشافعي أن يصلي خلف مالك إذا توضأ بالماء الذي هو فيه مع تعين روث العصفور في جهة الإمام وفي المسألة الأولى يجوز المأموم أن يكون ذلك في إناء الإمام من غير تعيين فهو أولى بالجواز من أن يعين ومع ذلك فالإجماع منعقد على امتناع التقليد في الإناءين إذا اجتهدا في الطاهر منهما دون أن يتعين في جهة الإمام .

وهذا أيضا من أشكل المسائل وجوابه أن للشافعيين إذا اجتهدا في الإناءين فهما مقلدان لمن يعتقد نجاسة روث العصفور والإجماع منعقد على أن حكم الله تعالى في حق الشافعي وحق من قلده ما ظهر في اجتهاده فالشافعي يعتقد أن الشافعي الآخر قد أصاب في صلاته ما هو مبطل لصلاته بالإجماع ومن اعتقدنا فيه مخالفة الإجماع لا نقلده بخلاف صلاة هذا الشافعي خلف المالكي حكم الله تعالى في حق مالك والمالكي صحة صلاته بروث العصفور إجماعا وأنه لم يخالف إجماعا بل خالف قياسا مظنونا أو ظاهر نص غير مقطوع به وكذلك الشافعي إذا صلى خلف مالك وعليه روث عصفور أو في مائه الذي توضأ به فإن الشافعي يعتقد أن مالكا لم يخالف إجماعا ولا مقطوعا به بل ظاهر قياس أو ضربا من ضروب الاجتهاد فجاز له الصلاة خلفه بخلاف أن يكون إمامه يعتقد ما يعتقده من إبطال روث العصفور للصلاة فتأمل هذه المسائل وهذه المباحث فهي كلها دائرة على حرف واحد وهو أن من اعتقدنا فيه أنه خالف مقطوعا به لم يجز لنا تقليده وإن لم نعتقد فيه ذلك جاز لنا تقليده والصلاة خلفه وهو روح الفرق وهو فرق جيد جدا ولكن بعد التأمل فهذا هو الفرق بين هاتين القاعدتين وهو أجلى من قولنا إن ذلك يؤدي إلى قلة الجماعات أو كثرتها .

التالي السابق


حاشية ابن حسين المكي المالكي

أو توضأ بإناء وقع فيه روث عصفور أو صلى بثوب فيه روث عصفور مجتهدا كان أو مقلدا في ذلك المجتهد من حيث [ ص: 113 ] إن حكم الله في حقه وحق من قلده صحة صلاته بما أدى إليه اجتهاده أو اجتهاد مقلده وأنه لم يخالف مجمعا عليه ولا مقطوعا به بل خالف ظاهرا محتملا للتأويل يجوز لغيره أن يقتدي به قال ابن الشاط وهذا الذي ذكره فرقا ليس بفرق لأن الفرق إنما ينبغي أن يكون من أحد الأمرين اللذين يقع الفرق بينهما وذلك موجود فيما ذكرته لا فيما ذكره ا هـ .

قلت وذلك لأن مخالفة الإجماع وعدم مخالفته وصفان للمجتهد لا للمسألتين المفروق بينهما بخلاف القطع بالخطأ وإمكان تعيينه وعدم إمكان الخطأ ولا إمكان تعيينه فإنهما وصفان للمسألتين المفروق بينهما فافهم ( وصل ) الظاهر أن ما ذكر في هذا الفرق ليس مبنيا على قاعدة العوفي التي في قول العلامة الأمير في مجموعه وشرحه والعبرة في شرط صحة الصلاة بمذهبه أي الإمام وفي شرط صحة الاقتداء بمذهب المأموم على ما قاله العوفي وارتضوه قال الرماصي يصح اقتداء مالكي بشافعي في ظهر بعد العصر لاتحاد عين الصلاة والمأموم يراها أداء كما في كبير الخرشي ا هـ .

قال الشيخ حجازي فشرط الاقتداء موجود على مذهب المأموم بل كذلك لو التفتنا إلى مذهب الإمام جدلا فإنهما قضاء عنده ولا موجب للتلفيق ا هـ .

قال العلامة الأمير عقب ما ذكر بقي أن قاعدة العوفي هل تجري في الأركان حتى يصح خلف حنفي لا يرفع من الركوع وبه صرح شيخنا في حاشية الخرشي أو تقتصر على ما صرح به من الشرط كمسح رأس ونقض وضوء لأن الركن أعظم .

ويؤيد هذا الاحتمال ما في الذخيرة عن ابن القاسم لو علمت أن رجلا ترك القراءة في الأخيرتين لم أصل خلفه نقله الحطاب يحرر ا هـ بتوضيح ما وبالاحتمال الثاني جزم العلامة الدسوقي حيث قال .

وأما ما كان ركنا داخلا في ماهيتها فالعبرة فيه بمذهب المأموم مثل شرط الاقتداء فلو اقتدى مالكي بحنفي لا يرى ركنية السلام ولا الرفع من الركوع فإن أتى بهما صحت صلاة مأمومه المالكي وإن ترك الإمام الحنفي الرفع من الركوع أو خرج من الصلاة بأجنبي كانت صلاة مأمومه المالكي باطلة ولو فعل ذلك المأموم المذكور كذا قرر شيخنا العدوي ا هـ .

وليس مبنيا أيضا على القاعدة التي يقتضيها قول صاحب الطراز أن الإمام المخالف في الفروع الظنية متى تحقق فعله للشرائط جاز الاقتداء به وإن كان لا يعتقد وجوبها وإلا لم يجز فالشافعي مسح جميع رأسه سنة فلا يضر اعتقاده بخلاف ما لو أم في الفريضة بنية النافلة أو مسح رجليه نقله الخطاب عن الذخيرة وفي المواق [ ص: 114 ] قال عياض إن أبا المعالي الجويني قدم عبد الحق الصقلي صلى به وقال له البعض يدخل في الكل يعرض له بمسح الرأس إذ كان أبو المعالي شافعيا ا هـ .

وهي أن العبرة بمذهب المأموم مطلقا وإنما ينبغي ما ذكر في هذا الفرق على القاعدة التي حكاها الشيخ حجازي على المجموع بقيل من أن العبرة بمذهب الإمام مطلقا قال الحطاب أجاز القرافي في الفرق السادس والسبعين الصلاة خلف المخالف وإن رآه يفعل ما يخالف مذهبه ا هـ فتأمل ذلك وحرر والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية