الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        4867 - حدثنا فهد بن سليمان ، قال : ثنا أبو نعيم ، قال : ثنا بشير بن المهاجر الغنوي ، قال : حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فأتاه رجل - يقال له : ماعز بن مالك - فقال : يا نبي الله ، إني قد زنيت ، وإني أريد أن تطهرني ، فقال له : ارجع .

                                                        فلما كان من الغد أتاه أيضا فاعترف عنده بالزنا ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ارجع ، ثم أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه ، فسألهم عنه ، فقال : ما تقولون في ماعز بن مالك ؟ هل ترون به بأسا ، أو تنكرون من عقله شيئا ؟ فقالوا : يا رسول الله ، ما نرى به بأسا ، وما ننكر من عقله شيئا .

                                                        [ ص: 144 ] ثم عاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم الثالثة فاعترف أيضا عنده بالزنا ، فقال : يا رسول الله ، طهرني .

                                                        فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومه ، فسألهم عنه ، فقالوا له كما قالوا في المرة الأولى : ما نرى به بأسا وما ننكر من عقله شيئا .

                                                        ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرابعة فاعترف عنده بالزنا ، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فحفرت له حفرة ، فجعل فيها إلى صدره ، ثم أمر الناس أن يرجموه
                                                        .

                                                        قال بريدة : كنا نتحدث بيننا - أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - أن ماعز بن مالك لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات ، لم يطلبه ، وإنما رجمه عند الرابعة ، فلما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يرجمه بإقراره مرة ولا مرتين ، ولا ثلاثا ، دل ذلك أن الحد لم يكن وجب عليه بذلك الإقرار ، ثم رجمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقراره في المرة الرابعة .

                                                        فثبت بذلك أن الإقرار بالزنا الذي يوجب الحد على المقر هو إقراره به أربع مرات .

                                                        فمن أقر كذلك حد ، ومن أقر أقل من ذلك لم يحد .

                                                        وقد ذكر هذا المعنى ما رويناه عن بريدة ، مما كان يقوله هو وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سواه في ذلك ، مما قد ذكرنا في حديث فهد ، عن أبي نعيم ، عن بشير بن المهاجر .

                                                        وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمة الله عليهم أجمعين .

                                                        وقد عمل بذلك علي رضي الله تعالى عنه في شراحة ، فردها أربع مرات .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية