الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما

                                                                                                                                                                                                                                      29 - محمد ؛ خبر مبتدإ؛ أي: "هو محمد"؛ لتقدم قوله: "هو الذي أرسل رسوله"؛ أو مبتدأ؛ خبره: رسول الله ؛ وقف عليه نصير؛ والذين معه ؛ أي: أصحابه؛ مبتدأ؛ والخبر: أشداء على الكفار ؛ أو "محمد"؛ مبتدأ؛ و"رسول الله"؛ عطف بيان؛ و"الذين معه"؛ عطف على المبتدإ؛ و"أشداء"؛ خبر عن الجميع؛ ومعناه: غلاظ؛رحماء بينهم ؛ متعاطفون؛ وهو خبر ثان؛ وهما جمعا "شديد"؛ و"رحيم"؛ ونحوه: أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ؛ وبلغ من تشددهم على الكفار أنهم كانوا يتحرزون من ثيابهم أن تلزق بثيابهم؛ ومن أبدانهم أن تمس أبدانهم؛ وبلغ من تراحمهم فيما بينهم أنه كان لا يرى مؤمن مؤمنا إلا صافحه؛ وعانقه؛ تراهم ركعا ؛ راكعين؛ سجدا ؛ ساجدين؛ يبتغون ؛ حال؛ كما أن "ركعا"؛ و"سجدا"؛ كذلك؛ فضلا من الله ورضوانا سيماهم ؛ علامتهم؛ في وجوههم من أثر السجود ؛ أي: من التأثير الذي يؤثره السجود؛ وعن عطاء: "استنارت وجوههم من طول ما صلوا [ ص: 345 ] بالليل؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"؛ ذلك ؛ أي: المذكور؛ مثلهم ؛ صفتهم؛ في التوراة ؛ وعليه وقف؛ ومثلهم في الإنجيل ؛ مبتدأ؛ خبره: كزرع أخرج شطأه ؛ فراخه؛ يقال: "أشطأ الزرع"؛ إذا فرخ؛ فآزره ؛ قواه؛ "فأزره"؛ "شامي"؛ فاستغلظ ؛ فصار من الرقة إلى الغلظ؛ فاستوى على سوقه ؛ فاستقام على قصبه؛ جمع "ساق"؛ يعجب الزراع ؛ يتعجبون من قوته؛ وقيل: مكتوب في الإنجيل: (سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع؛ يأمرون بالمعروف؛ وينهون عن المنكر)؛ وعن عكرمة: "أخرج شطأه بأبي بكر؛ فآزره بعمر؛ فاستغلظ بعثمان؛ فاستوى على سوقه بعلي - رضوان الله عليهم"؛ وهذا مثل ضربه الله (تعالى) لبدء الإسلام؛ وترقيه في الزيادة إلى أن قوي واستحكم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام وحده؛ ثم قواه الله (تعالى) بمن آمن معه؛ كما يقوي الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها؛ حتى يعجب الزراع؛ ليغيظ بهم الكفار ؛ تعليل لما دل عليه تشبيههم بالزرع من نمائهم؛ وترقيهم في الزيادة؛ والقوة؛ ويجوز أن يعلل به وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما ؛ لأن الكفار إذا سمعوا بما أعد لهم في الآخرة؛ مع ما يعزهم به في الدنيا؛ غاظهم ذلك؛ و"من"؛ في "منهم"؛ للبيان؛ كما في قوله: فاجتنبوا الرجس من الأوثان ؛ يعني: فاجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان؛ وقولك: "أنفق من الدراهم"؛ أي: اجعل نفقتك هذا الجنس؛ وهذه الآية ترد قول الروافض: إنهم كفروا بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ الوعد لهم بالمغفرة والأجر العظيم إنما يكون أن لو ثبتوا على ما كانوا عليه في حياته.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية