الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فصل

قال الدرجة الثالثة : تعظيم الحق سبحانه . وهو أن لا يجعل دونه سببا ، ولا يرى عليه حقا ، أو ينازع له اختيارا .

هذه الدرجة تتضمن تعظيم الحاكم سبحانه ، صاحب الخلق والأمر ، والتي قبلها تتضمن تعظيم قضائه لا مقضيه ، والأولى : تتضمن تعظيم أمره .

وذكر من تعظيمه ثلاثة أشياء :

أحدها : أن لا تجعل دونه سببا

أي لا تجعل للوصلة إليه سببا غيره . بل هو الذي يوصل عبده إليه ، فلا يوصل إلى الله إلا الله ، ولا يقرب إليه سواه . ولا يدني إليه غيره ، ولا يتوصل إلى رضاه إلا به . فما دل على الله إلا الله ، ولا هدى إليه سواه . ولا أدنى إليه غيره . فإنه سبحانه هو الذي جعل السبب سببا . فالسبب وسببيته وإيصاله : كله خلقه وفعله .

الثاني : أن لا يرى عليه حقا

أي لا ترى لأحد من الخلق - لا لك ولا لغيرك - حقا على الله . بل الحق لله على خلقه ، وفي أثر إسرائيلي : أن داود عليه السلام قال : يا رب ، بحق آبائي عليك . فأوحى الله إليه : يا داود . أي حق لآبائك علي ؟ ألست أنا الذي هديتهم ومننت عليهم واصطفيتهم . ولي الحق عليهم ؟ .

وأما حقوق العبيد على الله تعالى : من إثابته لمطيعهم ، وتوبته على تائبهم ، وإجابتهم لسائلهم : فتلك حقوق أحقها الله سبحانه على نفسه ، بحكم وعده وإحسانه لا أنها حقوق أحقوها هم عليه . فالحق في الحقيقة لله على عبده ، وحق العبد عليه هو ما اقتضاه بجوده وبره ، وإحسانه إليه بمحض جوده وكرمه ، هذا قول أهل التوفيق والبصائر . وهو وسط بين قولين منحرفين . قد تقدم ذكرهما مرارا . والله سبحانه أعلم .

[ ص: 470 ] وأما قوله : أو لا ينازع له اختيارا .

أي إذا رأيت الله عز وجل قد اختار لك أو لغيرك شيئا - إما بأمره ودينه ، وإما بقضائه وقدره - فلا تنازع اختياره ، بل ارض باختيار ما اختاره لك ، فإن ذلك من تعظيمه سبحانه .

ولا يرد عليه قدره من المعاصي . فإنه سبحانه - وإن قدرها - لكنه لم يخترها له ، فمنازعتها غير اختياره من عبده . وذلك من تمام تعظيم العبد له سبحانه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية