الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وركع ووضع يديه على ركبتيه وفرج أصابعه ) لما رواه أنس من صفة صلاته عليه السلام أشار إلى أن التطبيق المروي عن ابن مسعود منسوخ ، وهو أن يضم إحدى الكفين إلى الأخرى ويرسلهما بين فخذيه بما في الصحيحين ، وفي فتح القدير ويعتمد بيديه على ركبتيه ناصبا ساقيه ، وإحناؤهما شبه القوس كما يفعل عامة الناس مكروه ، ذكره في روضة العلماء ، وإنما يفرج بينهما ; لأنه أمكن من الأخذ بالركب ولا يندب إلى التفريج إلا في هذه الحالة ولا إلى الضم إلا في حالة السجود ، وفيما عدا ذلك يترك على العادة ( قوله وبسط ظهره وسوى رأسه بعجزه ) فإنه سنة كما صح عنه صلى الله عليه وسلم فلهذا لا يرفع رأسه ولا يخفضه ، وفي المجتبى والسنة في الركوع إلصاق الكعبين واستقبال الأصابع للقبلة ( قوله وسبح فيه ثلاثا ) أي في ركوعه بأن يقول " سبحان ربي العظيم " ثلاثا لحديث ابن ماجه { إذا ركع أحدكم فليقل سبحان ربي العظيم ثلاثا وذلك أدناه وإذا سجد فليقل سبحان ربي الأعلى ثلاثا وذلك أدناه }

                                                                                        وفي صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم { كان يقول في ركوعه سبحان ربي العظيم ، وفي سجوده سبحان ربي الأعلى } .

                                                                                        ، وفي سنن أبي داود { لما نزلت { فسبح باسم ربك العظيم } قال اجعلوها في ركوعكم فلما نزلت { سبح اسم ربك الأعلى } قال اجعلوها في سجودكم } وظاهر هذا الأمر الوجوب روي عن أبي مطيع البلخي أن التسبيحات ركن لو تركه لا تجوز صلاته كما في الذخيرة ، والذي في البدائع عنه : أن من نقص من الثلاث في تسبيحات الركوع والسجود لا تجوز صلاته قال وهذا فاسد ; لأن الأمر تعلق بفعل الركوع والسجود مطلقا عن شرط التسبيح فلا يجوز نسخ الكتاب بخبر الواحد فقلنا بالجواز مع كون التسبيح سنة عملا بالدليلين بقدر الإمكان ا هـ .

                                                                                        وقد بحث فيه العلامة ابن أمير حاج الحلبي بأنه لا يتعين العمل بالدليلين في جعل التسبيح سنة بل يكون ذلك أيضا في جعله واجبا والمواظبة الظاهرة من حاله صلى الله عليه وسلم والأمر به متظافران على الوجوب فينبغي إذا تركه سهوا أن يجب السجود وإذا تركه عمدا يؤمر بالإعادة ونقل ابن هبيرة وغيره أنه مرة واحدة في كل منهما والتسميع والتحميد وسؤال المغفرة بين السجدتين والتكبيرات واجب في الرواية المشهورة عن أحمد إلا أنه إن ترك شيئا منها عمدا بطلت صلاته وسهوا لا ، ويسجد للسهو . ا هـ .

                                                                                        وقد يقال إنما لم يكن واجبا عندنا لوجود الصارف ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام لم يذكره للأعرابي حين علمه ، ولو كان واجبا لذكره ، والمواظبة لم تنقل صريحا وهذا الصارف منع من القول بها ظاهرا ، فلهذا كان الأمر للاستحباب كما صرح به غير واحد من المشايخ فعلى هذا فالمراد من الكراهة في قولهم لو ترك التسبيحات أصلا أو نقص عن الثلاث فهو مكروه كراهة التنزيه ; لأنها في مقابلة المستحب

                                                                                        واختلف في معنى قوله صلى الله عليه وسلم { وذلك أدناه } فقيل : كمال السنة ، وقيل أدنى كمال [ ص: 334 ] التسبيح ، وقيل : أدنى القول المسنون والأول أوجه وعلى كل فالزيادة على الثلاث أفضل ويستحب أن يختم على وتر خمس أو سبع أو تسع لحديث الصحيحين { إن الله وتر يحب الوتر } ولا ينبغي للإمام أن يطيل على وجه يمل القوم ; لأنه سبب للتنفير وأنه مكروه ، ولهذا قال الإسبيجابي ولو كان إماما يقولها ثلاثا على قول بعضهم ، وقال بعضهم يقولها أربعا حتى يتمكن المقتدي من الثلاث ، ولو أطال الركوع لإدراك الجائي لا تقربا لله تعالى فهو مكروه ، وفي الذخيرة والبدائع وغيرهما : قال أبو يوسف سألت أبا حنيفة عن ذلك ، فقال : أخشى عليه أمرا عظيما يعني الشرك

                                                                                        وقد وهم بعضهم في فهم كلام الإمام فاعتقد منه أن يصير المنتظر مشركا يباح دمه فأفتى بإباحة دمه وهكذا ظن صاحب منية المصلي فقال : يخشى عليه الكفر ولا يكفر وكل منهما غلط ولم يرده الإمام رحمه الله تعالى أراد أنه يخاف عليه الشرك في عمله الذي هو الرياء ، وإنما لم يقطع بالرياء في عمله لما أنه غير مقطوع به لوجود الاختلاف فإنه نقل عن الشعبي أنه لا باس به ، وهو قول الشافعي في القديم ، وقد نهى الله عن الإشراك في العمل بقوله تعالى { فمن كان يرجو لقاء ربه } الآية وأعجب منه ما نقله في المجتبى عن البلخي أنه تفسد صلاته ويكفر ، ثم نقل بعده عن الجامع الأصغر أنه مأجور على ذلك لقوله تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } وعن أبي الليث أنه حسن وعنه التفصيل بين أن يعرف الجائي فلا أو لا فنعم وأشار المصنف إلى أنه لا يأتي في ركوعه وسجوده بغير التسبيحات وما ورد في السنة من غيرها فمحمول على النوافل تهجدا أو غيره ، لو رفع الإمام رأسه قبل أن يتم المأموم التسبيحات فيه روايتان أصحهما وجوب المتابعة بخلاف ما لو سلم قبل أن يتم المقتدي التشهد فإنه لا يتابعه ; لأن قراءة التشهد واجبة كذا في فتاوى قاضي خان .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ابن هبيرة ) أقول : هو من علماء الحنابلة ( قوله وهو أنه عليه السلام لم يذكره للأعرابي إلخ ) هذا إنما يتم على تقدير أنه عليه السلام علمه الفرائض والواجبات كلها ولم يترك له شيئا منها وليس كذلك .




                                                                                        الخدمات العلمية