الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وأما الفعل فالتعاطي ) وهو التناول قاموس . ( في خسيس ونفيس ) خلافا للكرخي [ ص: 514 ] ولو ) التعاطي ( من أحد الجانبين على الأصح ) فتح وبه يفتي فيض . ( إذا لم يصرح معه ) مع التعاطي ( بعدم الرضا ) فلو دفع الدراهم وأخذ البطاطيخ والبائع يقول : لا أعطيها بها لم ينعقد كما لو كان بعد عقد فاسد خلاصة وبزازية وصرح في البحر بأن الإيجاب والقبول بعد عقد فاسد لا ينعقد بهما البيع قبل متاركة الفاسد [ ص: 515 ] ففي بيع التعاطي بالأولى ، وعليه فيحمل ما في الخلاصة وغيرها على ذلك ، وتمامه في الأشباه من الفوائد إذا بطل المتضمن بطل المتضمن والمبني على الفاسد فاسد . ( وقيل : لا بد ) في التعاطي ( من الإعطاء من الجانبين وعليه الأكثر ) قاله الطرسوسي ، واختاره البزازي . وأفتى به الحلواني واكتفى الكرماني بتسليم البيع مع بيان الثمن فتحرر ثلاثة أقوال وقد علمت المفتى به وحررنا في شرح الملتقى صحة الإقالة والإجارة والصرف بالتعاطي فليحفظ .

التالي السابق


( قوله : وأما الفعل ) عطف على قوله أما القول . ( قوله : وهو التناول قاموس ) قال : في البحر : وهكذا في الصحاح والمصباح ، وهو إنما يقتضي الإعطاء من جانب والأخذ من جانب لا الإعطاء من الجانبين كما فهم الطرسوسي أي حيث قال : إن حقيقة التعاطي وضع الثمن وأخذ المثمن عن تراض منهما من غير لفظ ، وهو يفيد أنه لا بد من الإعطاء من الجانبين ; لأنه من المعاطاة وهي مفاعلة ا هـ . قلت : وقوله : من غير لفظ يفيد ما قدمناه عن الفتح من أنه لو قال : بعتكه بألف فقبضه المشتري ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا ، وليس من بيع التعاطي ، خلافا لمن جعله منه فإن التعاطي ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن . ( قوله : في خسيس ونفيس ) النفيس ما كثر ثمنه كالعبد والخسيس ما قل ثمنه كالخبز ومنهم من حد النفيس بنصاب السرقة فأكثر والخسيس بما دونه والإطلاق هو المعتمد ط عن البحر . قلت : ليس في البحر قوله : " والإطلاق هو المعتمد " ، نعم ذكره في شمول التعاطي للخسيس والنفيس ، فقال : وهو الصحيح المعتمد . ( قوله : خلافا للكرخي ) فإنه قال : لا ينعقد إلا في الخسيس ط عن القهستاني وما [ ص: 514 ] في الحاوي القدسي من أن هذا هو المشهور فهو خلاف المشهور كما في البحر . ( قوله : ولو التعاطي من أحد الجانبين ) صورته أن يتفقا على الثمن ثم يأخذ المشتري المتاع ، ويذهب برضا صاحبه من غير دفع الثمن ، أو يدفع المشتري الثمن للبائع ثم يذهب من غير تسليم المبيع ، فإن البيع لازم على الصحيح ، حتى لو امتنع أحدهما بعده أجبره القاضي وهذا فيما ثمنه غير معلوم أما الخبز واللحم ، فلا يحتاج فيه إلى بيان الثمن ذكره في البحر . والمراد في صورة دفع الثمن فقط أن المبيع موجود معلوم لكن المشتري دفع ثمنه ولم يقبضه ط .

وفي القنية دفع إلى بائع الحنطة خمسة دنانير ليأخذ منه حنطة ، وقال : له بكم تبيعها ؟ فقال : مائة بدينار فسكت المشتري ، ثم طلب منه الحنطة ليأخذها فقال : البائع غدا أدفع لك ولم يجر بينهما بيع ، وذهب المشتري فجاء غدا ليأخذ الحنطة ، وقد تغير السعر فعلى البائع أن يدفعها بالسعر الأول قال : رضي الله عنه : وفي هذه الواقعة أربع مسائل : إحداها الانعقاد بالتعاطي . الثانية : الانعقاد في الخسيس والنفيس ، وهو الصحيح . الثالثة : الانعقاد به من جانب واحد . الرابعة : كما ينعقد بإعطاء المبيع ينعقد بإعطاء الثمن . ا هـ .

قلت : وفيها مسألة خامسة أنه ينعقد به ولو تأخرت معرفة المثمن لكون دفع الثمن قبل معرفته بحر . ( قوله : لم ينعقد ) أي وإن كان يعلم عادة السوقة أن البائع إذا لم يرض برد الثمن أو يسترد المتاع وإلا يكون راضيا به ، ويصح خلفه لا أعطيها تطييبا لقلب المشتري فإنه مع هذا لا يصح البيع قنية . مطلب البيع بالتعاطي . ( قوله : كما لو كان ) أي البيع بالتعاطي بعد عقد فاسد ، وعبارة الخلاصة اشترى رجل من وسائدي وسائد ووجوه الطنافس ، وهي غير منسوجة بعد ولم يضربا له أجلا لم يجز ، فلو نسج الوسائد ووجوه الطنافس وسلم إلى المشتري لا يصير هذا بيعا بالتعاطي ; لأنهما يسلمان بحكم ذلك البيع السابق ، وأنه وقع باطلا . ا هـ .

وعبارة البزازية والتعاطي إنما يكون بيعا إذا لم يكن بناء على بيع فاسد أو باطل سابق أما إذا كان بناء عليه فلا . ا هـ .

( قوله : لا ينعقد بهما البيع قبل متاركة الفاسد ) يتفرع عليه ما في الخانية : لو اشترى ثوبا شراء فاسدا ثم لقيه غدا فقال : قد بعتني ثوبك هذا بألف درهم فقال : بلى فقال : قد أخذته فهو باطل ، وهذا على ما كان قبله من البيع الفاسد ، فإن كانا تتاركا البيع الفاسد فهو جائز اليوم . ا هـ .

قلت : لكن في النهاية والفتح وغيرهما عند قول الهداية ومن باع صبرة طعام كل قفيز بدرهم إلخ البيع بالرقم فاسد ; لأن فيه زيادة جهالة تمكنت في صلب العقد وهي جهالة الثمن برقم لا يعلمه المشتري ، فصار بمنزلة القمار وعن هذا قال : شمس الأئمة الحلواني ، وإن علم بالرقم في المجلس لا ينقلب ذلك العقد جائزا ، ولكن إن كان البائع دائما على الرضا فرضي به المشتري ينعقد بينهما عقد بالتراضي . ا هـ . وعبر في الفتح بالتعاطي ، والمراد واحد وسيأتي أيضا في باب البيع الفاسد أن بيع الآبق لا يصح ، وأنه لو باعه ثم عاد وسلمه يتم البيع في رواية وظاهر الرواية أنه لا يتم قال : في البحر هناك وأولوا الرواية الأولى بأنه ينعقد بيعا بالتعاطي . ا هـ . وظاهر هذا عدم اشتراط متاركة الفاسد ، وقد يجاب على بعد بحمل الاشتراط على ما إذا كان التعاطي بعد المجلس [ ص: 515 ] أما فيه فلا يشترط كما هنا ، والفرق أنه بعد المجلس يتقرر الفساد من كل وجه فلا بد من المتاركة أما في المجلس ، فلا يقرر من كل وجه فتحصل المتاركة ضمنا تأمل . ويحتمل وهو الظاهر أن يكون في المسألة قولان وانظر ما يأتي عند قوله وفسد في الكل في بيع ثلثه إلخ .

هذا وما ذكره عن الحلواني في البيع بالرقم جزم بخلافه في الهندية آخر باب المرابحة ، وذكر أن العلم في المجلس يجعل كابتداء العقد ، ويصير كتأخير القبول إلى آخر المجلس وبه جزم في الفتح هناك أيضا . ( قوله : ففي بيع التعاطي بالأولى إلخ ) مأخوذ من البحر حيث قال : ففي بيع التعاطي بالأولى ، وهو صريح الخلاصة والبزازية إن التعاطي بعد عقد فاسد أو باطل لا ينعقد به البيع ; لأنه بناء على السابق ، وهو محمول على ما ذكرناه . ا هـ . وقوله : على ما ذكرناه أي أن عدم الانعقاد قبل متاركة الأول ، وهو معنى قول الشارح ، فيحمل ما في الخلاصة وغيرها على ذلك ومراده بما في الخلاصة ما قدمه من قوله كما لو كان بعد عقد فاسد ، ونقلنا عبارتها وعبارة البزازية ، وليس فيها التقييد بما قبل متاركة الأول فقيده الشارح به تبعا للبحر لئلا يخالف كلام غيرها فافهم . ( قوله : وتمامه في الأشباه من الفوائد ) أي في آخر الفن الثالث ، وليس فيه زيادة على أصل المسألة فلعله أراد ما كتب على الأشباه في ذلك الموضع أو ما أشبه هذه المسألة مما تفرع على الأصل المذكور . ( قوله : إذا بطل المتضمن ) بالكسر بطل المتضمن بالفتح ، فإنه لما بطل البيع الأول بطل ما تضمنه من القبض إذا كان قبل المتاركة ، قال : ح : وهو بدل من الفوائد بدل بعض من كل . ا هـ .

ط وفي هذه القاعدة بحث سنذكره عند الكلام على بيع الثمرة البارزة . ( قوله : فتحرر ثلاثة أقوال ) هذا الاختلاف نشأ من كلام الإمام محمد ، فإنه ذكر بيع التعاطي في مواضع ، فصوره في موضع بالإعطاء من الجانبين ، ففهم منه البعض أنه شرط ، وصوره في موضع بالإعطاء من أحدهما ففهم البعض أنه يكتفي به ، وصوره في موضع بتسليم المبيع ففهم البعض أن تسليم الثمن لا يكفي بحر عن الذخيرة ط . ( قوله : وحررنا في شرح الملتقى إلخ ) عبارته عن البزازية الإقالة تنعقد بالتعاطي أيضا من أحد الجانبين على الصحيح . ا هـ . وكذا الإجارة كما في العمادية ، وكذا الصرف كما في النهر مستدلا عليه بما فيه التتارخانية : اشترى عبدا بألف درهم على أن المشتري بالخيار ، فأعطاه مائة دينار ثم فسخ البيع ، فعلى قول الإمام الصرف جائز ويرد الدراهم ، وعلى قول أبي يوسف الصرف باطل وهي فائدة حسنة لم أر من نبه عليها . ا هـ . [ تتمة ] طالب مديونه فبعث إليه شعيرا قدرا معلوما وقال : خذه بسعر البلد والسعر لهما معلوم كان بيعا وإن لم يعلماه فلا ، ومن بيع التعاطي تسليم المشتري ما اشتراه إلى من يطالبه بالشفعة في موضع لا شفعة فيه ، وكذا تسليم الوكيل بالشراء إلى الموكل بعد ما أنكر التوكيل ومنه حكم ما إذا جاء المودع بأمة غير المودعة ، وحلف حل للمودع وطؤها وكان بيعا بالتعاطي . وعن أبي يوسف لو قال : للخياط ليست هذه بطانتي فحلف الخياط أنها هي وسعه أخذها ، وينبغي تقييده بما إذا كانت العين للدافع ومنه لو ردها بخيار عيب والبائع متيقن أنها ليست له فأخذها ورضي بها [ ص: 516 ] كما في الفتح ، وعلى هذه فلا بد من الرضا في جارية الوديعة والبطانة وتمامه في البحر




الخدمات العلمية