الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والولي الأب ، [ ص: 105 ] وله البيع مطلقا ، وإن لم يذكر سببه

التالي السابق


( والولي ) على المحجور ، مجنونا كان أو صبيا أو سفيها ( الأب ) الرشيد ، كذا قيد المصنف كلام ابن الحاجب ، فإن لم يكن رشيدا فهل يكون ناظره ناظرا على بنيه أو لا إلا بتقديم مستأنف ؟ قولان أفاده تت ، وعبارة عب على المحجور صبيا أو سفيها لم يطرأ سفهه بعد بلوغه رشيدا أو خروجه بهما من حجر أبيه الأب المسلم الرشيد لا الجد والجدة [ ص: 105 ] والأم والعم ونحوهم إلا بإيصاء ، وقدم الحاكم على من طرأ سفهه بعد بلوغه ورشده وخروجه من حجر أبيه مقدما ينظر له في ماله بالمصلحة .

المتيطي لو بلغ رشيدا ثم حدث به السفه فإن الأب يثبته عند القاضي ويقدمه للنظر له إن رأى ذلك وهو أحق بالتقديم عليه إذا كان من أهل النظر ، وكذا يقدم الحاكم على صبي له وصي من أب كافر ، أو سفيه مهمل أو ذي وصي على ما به العمل . وفي التحفة أن الوصي على الأب السفيه وصي على أولاده ، قال :

ونظر الوصي في المشهور منسحب على بني المحجور

ميارة : الظاهر والله أعلم أنه في حياة الأب فقط . وأما بعد موته فلا يكون ناظرا على بنيه لأن نظره لهم كان بحسب التبع لنظره لأبيهم .

( وله ) أي الأب الولي على ولده الصغير أو السفيه أو المجنون ( البيع ) لشيء من مال ولده المحجور له لينفق ثمنه على ولده أو يقضي به دينه ( مطلقا ) عن تقييده بغير العقار إن بين الأب سبب بيعه ، بل ( وإن لم يذكر ) الأب ( سببه ) أي البيع على ولده تت أطلق المصنف وعزاه في توضيحه لظاهر المذهب . أبو عمران كل ما في الكتاب عن بيع الأب شيئا من متاع ولده أطلق القول بجوازه إلا أن يكون على غير وجه النظر ، وإذا سئل عن بيع الوصي شيئا من متاع محجوره قال : لا يجوز بيعه إلا أن يكون نظرا ، وحيث كان الأب محمولا في بيعه على السداد فلا اعتراض لولده بعد رشده فيما باعه عليه . قاله ابن القاسم .

( تنبيه ) : إطلاقه جواز البيع يشمل بيعه لمنفعة نفسه وهو قول أصبغ ، لكنه رجع عنه لقول ابن القاسم إن باع لمنفعة نفسه ، وتحقق ذلك فسخ . ابن عرفة يريد منفعة غير واجبة له ، فإن كانت واجبة فلا يفسخ كبيعه دارا مشتركة بينهما لا تنقسم . طفي : قوله وإن لم يذكر سببه أي لأنه لا يبيع إلا بالنظر وليس عليه بيان وجه النظر ، هذا مراد المصنف بالسبب ، [ ص: 106 ] وعليه قرره الشارح لأنه كان على وجه النظر فلا يحتاج أن يذكر السبب الذي بيع ذلك لأجله ، ونحوه قول ابن رشد وبيع عقار ابنه الذي في حجره إن كان على وجه النظر جائز من غير قصره على وجوه معدودة وهو محمول على النظر حتى يثبت خلافه ا هـ .

فليس مراد المصنف بالسبب ما يأتي في بيع عقار اليتيم .

وقال ابن عبد السلام : وظاهر المذهب أن الأب يبيع عقار ابنه وغيره لوجه من الوجوه الآتية ولغيرها . ا هـ . فعلم أنه لا يبيع إلا بالسبب وهو النظر ، لكنه لا يلزمه ذكره لحمله عليه ، إذا تمهد هذا فقول تت وتبعه " ج " قوله " وإن لم يذكر سببه " منتقد إذ مقتضاه أنه لا بد عن كونه يبيعه لسبب ، لكن لا يحتاج لذكره وليس كذلك ، ليس كذلك ، ليس كذلك وكأنهما فهما أن المراد بالسبب ما يأتي فقط ، وقد علمت أنه ليس بمراد ، قول تت إن باع لمنفعة نفسه وتحقق ذلك أطلق في الفسخ ، فظاهره كان الأب موسرا أم لا . وهو كذلك عند ابن القاسم . ابن رشد : وحكم ما باعه الأب من مال ولده الصغير في مصلحة نفسه أو حابى به حكم ما وهبه أو تصدق به من مال ولده فيفسخ في القيام ، وحكمه في الفوات على ما ذكرته في الهبة والصدقة ، غير أنه إذا غرم يرجع على الأب بالثمن ، وقال قبل هذا : فرق ابن القاسم بين أن يعتق الرجل عبد ابنه الصغير يتصدق به أو يتزوج به فقال : إن العتق ينفذ إن كان موسرا ويغرم القيمة لابنه ، ويرد إن كان معدما إلا أن يطول الأمر فلا يرد أصبغ لاحتمال أن يكون حدث له خلال ذلك يسر لم يعلم به ، فإن علم أنه لم يزل عديما في ذلك الطول فإنه يرد ، وقال : الصدقة ترد موسرا كان أو معدما فإن تلفت الصدقة بيد المتصدق عليه بأمر من السماء فلا يلزمه شيء وغرم الأب القيمة ، وإن فاتت بيده باستهلاك أو أكل ، والأب عديم غرم قيمتها ولا يرجع بها على الأب ، وإن كان عبدا فأعتقه وغرم الأب قيمته وإن كان له مال وإلا رد عتقه إلا أن يتطاول بمنزلة إعتاق الأب وإن كانت جارية فأولدها المتصدق عليه لزمته قيمتها إن لم يكن للأب مال بمنزلة ما فوته باستهلاك [ ص: 107 ] أو أكل هذا الذي يأتي على مذهب ابن القاسم في القسمة من المدونة .

وقال غيره في التزويج : المرأة أحق به دخل أو لم يدخل موسرا كان الأب أو معدما ويتبع الابن أباه بقيمته . قال في رسم الجواب : يوم أخذه وأصدقه أمر أنه يريد يوم تزوج عليه لا يوم دفعه لأنه بيع من البيوع ، كذا قال ابن القاسم ، فظاهره وإن لم تقبضه المرأة وروى أصبغ عن ابن القاسم الابن أحق به من المرأة ما لم تقبضه ، ويظل في يدها بعد قبضها .

فإن قام بعد قبضها بيوم أو يومين والأمر القريب فهو أحق به ويكون كالاستحقاق ، وتتبع المرأة الأب بقيمته ، وسواء على مذهب ابن القاسم في هذه الرواية دخل الأب بالمرأة أم لا ، وفرق مطرف بين دخوله بها وعدمه ، وروي عن مالك رضي الله تعالى عنهما .

وقال ابن القاسم : الابن أحق دخل بها أم لا قبضت أم لا طال الأمر أم لا ، وهذا الاختلاف إذا كان الأب معسرا وإلا فالزوجة أحق به قولا واحدا فالحاصل على مذهب ابن القاسم لا فرق بين يسر الأب وعسره في العتق ، وعلى هذا درج المصنف بقوله كأبيه إن أيسر ، وأشار ابن رشد بقوله على مذهب ابن القاسم في القسمة من المدونة لقولها : وإذا قاسم للصغير أبوه فحابى لم تجز محاباته فيها ولا هبته ولا صدقته من مال ابنه الصغير ، ويرد ذلك إن وجد بعينه وترد الصدقة وإن كان الأب موسرا . ا هـ . فظهر أن قول ابن القاسم هذا هو المعتمد للأخوين التفريق بين اليسر والعسر في البيع والرهن والهبة والصدقة والتزويج فأمضيا ذلك مع اليسار ورداه مع الإعسار .

وأطال " ح " بجلب كلامهما من النوادر وترك قول ابن القاسم المعتمد وهو مذهب المدونة وما ينبغي له ذلك . البناني ابن ناجي : قولها في القسمة ترد الصدقة وإن كان الأب موسرا إلخ . المغربي : يعني وكذلك الهبة هما سواء وما ذكره هو المشهور وأحد الأقوال الثلاثة ، ثم ذكر قول الأخوين التفريق بين اليسر والعسر مطلقا ، وقول أصبغ بالمضي من غير تفريق مطلقا ، ثم قال : قال في النكت : قال أبو محمد : الفرق بين عتق الأب عبد ابنه الصغير عن نفسه وبين صدقته بماله أو هبته للناس لأن العتق أوجب به الأب على نفسه [ ص: 108 ] تملك شيء يتعجله وهو ملك الولاء ، وإنفاذ العتق على نفسه فذلك تمليك منه لنفسه مال ولده ، وله أن يتملك مال ولده بالمعاوضة فأجزنا ذلك وألزمناه . وأما الهبة والصدقة فإنما أخرج ذلك من ملك ولده إلى ملك غيره بغير عوض لولده ولا لنفسه ا هـ .

وقال المسناوي : الانتقاد مبني على أن المراد بالسبب هنا أحد الأسباب الآتية في قوله وإنما يباع عقاره إلخ ، فحينئذ يتوجه الاعتراض بأن يقال : لا يشترط في جواز بيع الأب وجود سبب من الأسباب الآتية فضلا عن ذكره ، وأما إذا قلنا : مراده مطلق السبب فلا إشكال في اشتراط وجود سبب أي سبب كان إذ لا يحل للأب فيما بينه وبين الله تعالى أن يبيع مال ولده بدون سبب أصلا ، وعلى هذا فلا انتقاد على المصنف .




الخدمات العلمية