الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فصل )

ويشترط لصحة كل طواف في الحج والعمرة ، وفي غير حج وعمرة عشرة أشياء :

أحدها : النية ، وهي أن يقصد الطواف بالبيت ، فلو دار حول البيت طالبا لرجل ، أو متروحا بالمشي ، ونحو ذلك : لم يكن ذلك طوافا ، كما لو أمسك عن المفطرات ، ولم يقصد الصوم ، أو تجرد عن المخيط ولبى ، ولم يقصد الإحرام ، وهذا أصل مستقر في جميع العبادات المقصودة لا تصح إلا بنية ؛ لقوله سبحانه : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) ، وهذا لم ينو العبادة .

الشرط الثاني : أن يكون طاهرا من الحدث ، فلو كان محدثا أو جنبا ، أو حائضا : لم يجز له فعل الطواف رواية واحدة ، بل هو حرام عليه ، ولا يجوز أن [ ص: 583 ] يؤمر به ؛ لأن الأمر بالحرام حرام ؛ لما روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها ، غير أن لا تطوف بالبيت" رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حديث حسن .

وعن القاسم بن محمد بن أبي بكر ، عن أبيه ، عن أبي بكر : "أنه خرج حاجا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومعه أسماء بنت عميس ، فولدت محمد بن أبي بكر ، فأتى أبو بكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأمرها أن تغتسل ، ثم تهل بالحج ، وتصنع ما يصنع الناس إلا أنها لا تطوف بالبيت" رواه النسائي وابن ماجه .

[ ص: 584 ] وعن عائشة أنها قالت : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا نذكر إلا الحج حتى جئنا سرف ، فطمثت ، فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي ، فقال : ما يبكيك ؟ فقلت : والله لوددت أني لم أكن خرجت العام ، قال : ما لك لعلك نفست ؟ قلت : نعم ، قال : هذا شيء كتبه الله على بنات آدم ، فافعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري" ، وذكرت الحديث متفق عليه .

وفي رواية لمسلم : " فاقض ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي" ، وفي رواية لأحمد عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف" .

وهذا متواتر في حديث عائشة : أنها حاضت لما قدمت مكة منعها النبي - صلى الله عليه وسلم - من الطواف ، وأمرها بالإهلال بالحج ، وطافت لما رجعت من عرفات ، ثم اعتمرت بعد الصدر من منى .

وقد تقدم - أيضا - في حديث صفية بنت حيي أنها حاضت بعدما أفاضت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "عقرى حلقى إنك لحابستنا" ثم قال لها : " أكنت أفضت يوم النحر ؟ قالت : نعم ، قال : فانفري" ، ورخص للحائض أن تنفر من غير وداع ، ولو كان للحائض سبيل إلى الطواف بجبران ، أو غير جبران لم يحبس النبي - صلى الله عليه وسلم - المسلمين من أجلها ، بل أمرها بالطواف بجبران لو كان جائزا ، وكذلك لو كان جائزا لم يسقط عنها طواف الوداع ، بل أمرها به وبجبرانه .

[ ص: 585 ] وعن عائشة : " أن أول شيء بدأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قدم : أنه توضأ ثم طاف بالبيت" متفق عليه .

وعن طاوس عن رجل قد أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إنما الطواف صلاة ، فإذا طفتم فأقلوا الكلام" رواه أحمد والنسائي ، ورواه الترمذي ، عن طاوس ، عن ابن عباس ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " الطواف حول البيت مثل الصلاة ، إلا أنكم تتكلمون فيه ، فمن تكلم فيه ، فلا يتكلم إلا بخير" قال : وقد روي عن ابن عباس موقوفا .

فقد جعله صلاة ، ومثل الصلاة إلا في إباحة النطق ، وهذا يقتضي أنه يساوي الصلاة في سائر الأحكام من الطهارتين والزينة ، ونحو ذلك ، إذ لو فارقها في غير الكلام لوجب استثناؤه ، فإن استثناء هذه الصورة دليل على أنها تدخل في العموم لولا الاستثناء ، وإذا دخلت هذه الصورة ، فدخول سائر الصور أوكد .

وعلى هذا فالمحدث يمنع منه كما يمنع من الصلاة .

[ ص: 586 ] وأما الجنب : فيمنع منه لذلك ، ولأن الطواف لا يصح إلا في المسجد ، والجنب ممنوع من اللبث في المسجد ، إلا أن هذا المانع يزول عنه إذا توضأ للصلاة . والحائض تمنع منه لهذين السببين إلا إذا انقطع دمها ، وتوضأت ، فإنما تمنع لسبب واحد على . . . ، وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي" دليل على أنها ممنوعة منه قبل الاغتسال ، توضأت أو لم تتوضأ ، والجنب مثلها في هذه الصورة ، ولو فرض أن الجنب والحائض يباح لهما المسجد ، لكن الحائض والجنب دخو.... يمنعان منها كما يمنعان من الاعتكاف .

قال - في رواية أبي طالب - : لا يطوف أحد بالبيت إلا طاهرا ، والتطوع أيسر ، ولا يقف مشاهد الحج إلا طاهرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية