الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وما لم يقبل بطل الإيجاب إن رجع الموجب ) قبل القبول ( أو قام أحدهما ) وإن لم يذهب ( عن مجلسه ) على الراجح نهر وابن الكمال ، [ ص: 528 ] فإنه كمجلس خيار المخيرة وكذا سائر التمليكات فتح . ( وإذا وجدا لزم البيع ) بلا خيار إلا لعيب أو رؤية خلافا للشافعي رضي الله عنه وحديثه محمول على تفرق الأقوال إذ الأحوال ثلاثة قبل قولهما وبعده وبعد أحدهما ، وإطلاق المتبايعين في الأول مجاز الأول ، وفي الثاني مجاز الكون وفي الثالث حقيقة فيحمل عليه

التالي السابق


مطلب ما يبطل الإيجاب سبعة ( قوله : بطل الإيجاب إن رجع الموجب إلخ ) قال : في البحر : والحاصل أن الإيجاب يبطل بما يدل على الإعراض وبرجوع أحدهما عنه وبموت أحدهما ; ولذا قلنا : إن خيار القبول لا يورث وبتغير المبيع بقطع يد وتخلل عصير وزيادة بولادة وهلاكه ، بخلاف ما إذا كان بعد قلع عينه بآفة سماوية أو بعدما وهب للمبيع هبة ، كما في المحيط ، وقدمنا أنه يبطل بهبة الثمن قبل قبوله فأصل ما يبطله سبعة فليحفظ . ا هـ .

( قوله : قبل القبول ) وكذا معه ، فلو خرج القبول ورجع الموجب معا كان الرجوع أولى كما في الخانية بحر . ( قوله : وإن لم يذهب عن مجلسه على الراجح ) وقيل : لا يبطل ما دام في مكانه بحر . ويبطل بالقيام وإن كان لمصلحة لا معرضا كما في القنية قال : في النهر . واختلاف المجلس باعتراض ما يدل على الإعراض من الاشتغال بعمل آخر كأكل إلا إذا كان لقمة ، وشرب إلا إذا كان الإناء في يده ، ونوم إلا أن يكونا جالسين ، وصلاة إلا إتمام الفريضة ، أو شفع نفلا ، وكلام ولو لحاجة ومشي مطلقا في ظاهر الرواية حتى لو تبايعا وهما يمشيان أو يسيران ولو على دابة واحدة لم يصح . واختار غير واحد كالطحاوي أنه إن أجاب على فور كلامه متصلا جاز ، وصححه في المحيط وقال : في الخلاصة : لو قبل بعدما مشى خطوة أو خطوتين [ ص: 528 ] جاز ، وفي مجمع التفاريق وبه نأخذ ، وفي المجتبى المجلس المتحد أن لا يشتغل أحد المتعاقدين بغير ما عقد له المجلس ، أو ما هو دليل الإعراض والسفينة كالبيت فلا ينقطع المجلس بجريانها ; لأنهما لا يملكان إيقافها . ا هـ . ملخصا ط وفي الجوهرة لو كان قائما فعقد لم يبطل بحر وكذا لو ناما جالسين لا لو مضطجعين أو أحدهما فتح تأمل . ( قوله : فإنه كمجلس خيار المخيرة ) أي التي ملكها زوجها طلاقها بقوله لها اختاري نفسك . وفي البحر عن الحاوي القدسي : ويبطل مجلس البيع بما يبطل به خيار المخيرة ا هـ .

وهذا أولى ; لأن خيارها يقتصر على مجلسها خاصة لا على مجلس الزوج بخلاف البيع ، فإنه يقتصر على مجلسهما كما في البحر عن غاية البيان . ( قوله : وكذا سائر التمليكات فتح ) لم يذكر في الفتح إلا خيار المخيرة ط . وفي البحر ، قيد بالبيع ; لأن الخلع والعتق على مال لا يبطل الإيجاب فيه بقيام الزوج والمولى لكونه يمينا ويبطل بقيام المرأة والعبد لكونه معاوضة في حقهما كما في النهاية . ا هـ . ( قوله : خلافا للشافعي ) وبقوله قال : أحمد وبقولنا قال : مالك كما في الفتح . ( قوله : وحديثه ) أي الخيار أو الشافعي ، وقد روي بروايات متعددة كما في الفتح منها ما في البخاري من حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : " { المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا } " ط . ( قوله : محمول على تفريق الأقوال ) هو أن يقول الآخر بعد الإيجاب : لا أشتري ، أو يرجع الموجب قبل القبول وإسناد التفرق إلى الناس مرادا به تفرق أقوالهم كثير في الشرع والعرف قال : الله - تعالى { وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة } - وقال : صلى الله عليه وسلم " { افترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين فرقة وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة } " فتح .

( قوله : إذ الأحوال ثلاثة إلخ ) ; لأن حقيقة المتبايعين المشتغلان بأمر البيع لا من تم البيع بينهما وانقضى ; لأنه مجاز والمتشاغلان يعني المتساومين يصدق عند إيجاب أحدهما قبل قبول الآخر أنهما متبايعان ، فيكون ذلك هو المراد ، وهذا هو خيار القبول ، وهذا حمل إبراهيم النخعي رحمه الله تعالى . لا يقال هذا أيضا مجاز ; لأن الثابت قبل الآخر بائع واحد لا متبايعان ; لأنا نقول هذه من المواضع التي تصدق الحقيقة فيها بجزء من معنى اللفظ ; ولأنا نفهم من قول القائل زيد وعمرو هناك يتبايعان على وجه التبادر إلا أنهما يشتغلان بأمر البيع متراضيان فيه فليكن هو المعنى الحقيقي ، والحمل على الحقيقي متعين فيكون الحديث لنفي توهم أنهما إذا اتفقا على الثمن وتراضيا عليه ثم أوجب أحدهما البيع يلزم الآخر من غير أن يقبل ذلك أصلا للاتفاق والتراضي السابق على أن السمع والقياس ضدان للمذهب ، أما السمع فقوله : - تعالى { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } - وهذا عقد قبل التخيير وقوله تعالى - { لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } - وبعد الإيجاب والقبول تصدق تجارة عن تراض من غير توقف على التخيير فقد أباح الله - تعالى - أكل المشترى قبل التخيير وقوله تعالى - { وأشهدوا إذا تبايعتم } - أمر بالترفق بالشهادة حتى لا يقع التجاحد والبيع يصدق قبل الخيار بعد الإيجاب والقبول ، فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم قبله كان إبطالا لهذه النصوص وأما القياس فعلى النكاح والخلع والعتق والكتابة كل منها عقد معاوضة يتم بلا خيار المجلس بمجرد اللفظ الدال على الرضا فكذا البيع وتمامه في المنح والفتح ط .

( قوله : مجاز الأول ) أي باعتبار ما تئول إليه عاقبته ط عن المنح مثل - { إني أراني أعصر خمرا } - . ( قوله : مجاز الكون ) أي باعتبار ما كان من قبل مثل - { وآتوا اليتامى أموالهم } - .




الخدمات العلمية