الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        باب إذا أعتق عبدا بين اثنين أو أمة بين الشركاء

                                                                                                                                                                                                        2385 حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن سالم عن أبيه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال من أعتق عبدا بين اثنين فإن كان موسرا قوم عليه ثم يعتق [ ص: 180 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 180 ] قوله : ( باب إذا أعتق عبدا بين اثنين أو أمة بين الشركاء ) قال ابن التين : أراد أن العبد كالأمة لاشتراكهما في الرق قال : وقد بين في حديث ابن عمر في آخر الباب أنه كان يفتي فيهما بذلك انتهى ، وكأنه أشار إلى رد قول إسحاق ابن راهويه : إن هذا الحكم مختص بالذكور وهو خطأ ، وادعى ابن حزم أن لفظ العبد في اللغة يتناول الأمة وفيه نظر ، ولعله أراد المملوك . وقال القرطبي : العبد اسم للمملوك الذكر بأصل وضعه ، والأمة اسم لمؤنثه بغير لفظه ، ومن ثم قال إسحاق : إن هذا الحكم لا يتناول الأنثى ، وخالفه الجمهور فلم يفرقوا في الحكم بين الذكر والأنثى إما لأن لفظ العبد يراد به الجنس كقوله تعالى : إلا آتي الرحمن عبدا فإنه يتناول الذكر والأنثى قطعا ، وإما على طريق الإلحاق لعدم الفارق ، قال : وحديث ابن عمر من طريق موسى بن عقبة عن نافع عنه " أنه كان يفتي في العبد والأمة يكون بين الشركاء " الحديث ، وقد قال في آخره " يخبر ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - " فظاهره أن الجميع مرفوع ، وقد رواه الدارقطني من طريق الزهري عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من كان له شرك في [ ص: 181 ] عبد أو أمة " الحديث ، وهذا أصرح ما وجدته في ذلك ، ومثله ما أخرجه الطحاوي من طريق ابن إسحاق عن نافع مثله وقال فيه : حمل عليه ما بقي في ماله حتى يعتق كله ، وقد قال إمام الحرمين : إدراك كون الأمة في هذا الحكم كالعبد حاصل للسامع قبل التفطن لوجه الجمع والفرق ، والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قلت : وقد فرق بينهما عثمان الليثي بمأخذ آخر فقال : ينفذ عتق الشريك في جميعه ولا شيء عليه لشريكه إلا أن تكون الأمة جميلة تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر ، قال النووي : قول إسحاق شاذ ، وقول عثمان فاسد ا هـ . وإنما قيد المصنف العبد باثنين والأمة بالشركاء اتباعا للفظ الحديث الوارد فيهما ، وإلا فالحكم في الجميع سواء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن عمرو ) هو ابن دينار وسالم هو ابن عبد الله بن عمر ، ووقع في رواية الحميدي عن سفيان " حدثنا عمرو بن دينار " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن سالم ) هو ابن عبد الله بن عمر ، وللنسائي من طريق إسحاق ابن راهويه عن سفيان عن عمرو أنه " سمع سالم بن عبد الله بن عمر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من أعتق ) ظاهره العموم ، لكنه مخصوص بالاتفاق فلا يصح من المجنون ولا من المحجور عليه لسفه ، وفي المحجور عليه بفلس والعبد والمريض مرض الموت والكافر تفاصيل للعلماء بحسب ما يظهر عندهم من أدلة التخصيص ، ولا يقوم في مرض الموت عند الشافعية إلا إذا وسعه الثلث ، وقال أحمد : لا يقوم في المرض مطلقا وسيأتي البحث في عتق الكافر قريبا ، وخرج بقوله : " أعتق " ما إذا أعتق عليه بأن ورث بعض من يعتق عليه بقرابة فلا سراية عند الجمهور ، وعن أحمد رواية ، وكذلك لو عجز المكاتب بعد أن اشترى شقصا يعتق على سيده فإن الملك والعتق يحصلان بغير فعل السيد فهو كالإرث ، ويدخل في الاختيار ما إذا أكره بحق ، ولو أوصى بعتق نصيبه من المشترك أو بعتق جزء ممن له كله لم يسر عند الجمهور أيضا لأن المال ينتقل للوارث ويصير الميت معسرا ، وعن المالكية رواية ، وحجة الجمهور مع مفهوم الخبر أن السراية على خلاف القياس فيختص بمورد النص ، ولأن التقويم سبيله سبيل غرامة المتلفات فيقتضي التخصيص بصدور أمر يجعل إتلافا ، ثم ظاهر قوله : " من أعتق " وقوع العتق منجزا ، وأجرى الجمهور المعلق بصفة إذا وجدت مجرى المنجز .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عبدا بين اثنين ) هو كالمثال وإلا فلا فرق بين أن يكون بين اثنين أو أكثر ، وفي رواية مالك وغيره في الباب " شركا " وهو بكسر المعجمة وسكون الراء ، وفي رواية أيوب الماضية في الشركة " شقصا " بمعجمة وقاف مهملة وزن الأول ، وفي رواية في الباب " نصيبا " والكل بمعنى ، إلا أن ابن دريد قال : هو القليل والكثير ، وقال القزاز : لا يكون الشقص إلا كذلك ، والشرك في الأصل مصدر أطلق على متعلقه وهو العبد المشترك ، ولا بد في السياق من إضمار جزء أو ما أشبهه لأن المشترك هو الجملة أو الجزء المعين منها ، وظاهره العموم في كل رقيق لكن يستثنى الجاني والمرهون ففيه خلاف ، والأصح [ ص: 182 ] في الرهن والجناية منع السراية لأن فيها إبطال حق المرتهن والمجني عليه ، فلو أعتق مشتركا بعد أن كاتباه فإن كان لفظ العبد يتناول المكاتب وقعت السراية وإلا فلا ، ولا يكفي ثبوت أحكام الرق عليه ، فقد ثبتت ولا يستلزم استعمال لفظ العبد عليه ، ومثله ما لو دبراه ، لكن تناول لفظ العبد للمدبر أقوى من المكاتب فيسري هنا على الأصح ، فلو أعتق من أمة ثبت كونها أم ولد لشريكه فلا سراية لأنها تستلزم النقل من مالك إلى مالك ، وأم الولد لا تقبل ذلك عند من لا يرى بيعها وهو أصح قولي العلماء .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فإن كان موسرا قوم ) ظاهره اعتبار ذلك حال العتق ، حتى لو كان معسرا ثم أيسر بعد ذلك لم يتغير الحكم ، ومفهومه أنه إن كان معسرا لم يقوم ، وقد أفصح بذلك في رواية مالك حيث قال فيها : " وإلا فقد عتق منه ما عتق " ويبقى ما لم يعتق على حكمه الأول ، هذا الذي يفهم من هذا السياق وهو السكوت عن الحكم بعد هذا الإبقاء ، وسيأتي البحث في ذلك في الكلام على حديث الباب الذي يليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قوم عليه ) بضم أوله ، زاد مسلم والنسائي في روايتهما من هذا الوجه " في ماله قيمة عدل لا وكس ولا شطط " والوكس بفتح الواو وسكون الكاف بعدها مهملة : النقص ، والشطط بمعجمة ثم مهملة مكررة والفتح الجور ، واتفق من قال من العلماء على أنه يباع في حصة شريكه جميع ما يباع عليه في الدين على اختلاف عندهم في ذلك ، ولو كان عليه دين بقدر ما يملكه كان في حكم الموسر على أصح قولي العلماء ، وهو كالخلاف في أن الدين هل يمنع الزكاة أم لا ، ووقع في رواية الشافعي والحميدي " فإنه يقوم عليه بأعلى القيمة أو قيمة عدل " وهو شك من سفيان ، وقد رواه أكثر أصحابه عنه بلفظ " قوم عليه قيمة عدل " وهو الصواب .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم يعتق ) في رواية مسلم " ثم أعتق عليه من ماله إن كان موسرا " وهو يشعر بأن التاء في حديث الباب مفتوحة مع ضم أوله .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : روى الزهري عن سالم هذا الحديث مختصرا أيضا ، أخرجه مسلم بلفظ من أعتق شركا له في عبد عتق ما بقي في ماله إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد وذكر الخطيب قوله : " إذا كان له مال يبلغ ثمن العبد " في المدرج ، وقد وقعت هذه الزيادة في رواية نافع كما سيأتي .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية