الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1064 145 - ( حدثنا إسحاق بن منصور قال: أخبرنا روح بن عبادة قال: أخبرنا حسين عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سأل نبي الله - صلى الله عليه وسلم - ( ح ) وأخبرنا إسحاق قال: أخبرنا عبد الصمد قال: سمعت أبي قال: حدثنا الحسين عن ابن بريدة قال: حدثني عمران بن حصين وكان مبسورا قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الرجل قاعدا فقال: إن صلى [ ص: 158 ] قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد ).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم ثمانية:

                                                                                                                                                                                  الأول: إسحاق بن منصور بن بهرام الكوسج أبو يعقوب .

                                                                                                                                                                                  الثاني: روح بفتح الراء ابن عبادة بضم العين وتخفيف الباء الموحدة، مر في "باب اتباع الجنائز من الإيمان". الثالث: حسين بن ذكوان المعلم .

                                                                                                                                                                                  الرابع: عبد الله بن بريدة بضم الباء الموحدة ابن حصيب ، مر في آخر كتاب الحيض.

                                                                                                                                                                                  الخامس: إسحاق بن إبراهيم ، نص عليه الكلاباذي والمزي في الأطراف، وليس هذا بإسحاق بن منصور الذي مر في أول الإسناد كما زعمه بعضهم.

                                                                                                                                                                                  السادس: عبد الصمد بن عبد الوارث .

                                                                                                                                                                                  السابع: أبوه عبد الوارث بن سعيد التنوري .

                                                                                                                                                                                  الثامن: عمران بن حصين .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده في طريقي الحديث ) فيه التحديث بصيغة الجمع في خمسة مواضع، والإخبار كذلك في موضعين، وفيه العنعنة في موضعين، وفيه القول في أربعة مواضع، وفيه السؤال في موضعين، وفيه السماع، وفيه أن شيخه مروزي ثم انتقل إلى نيسابور ، وابن بريدة أيضا مروزي وهو قاضي مرو ، وفيه البقية بصريون ، وفيه إسحاقان أحدهما مذكور بنسبته إلى أبيه والآخر بلا نسبة، وفيه حسين بلا نسبة في الموضعين، ذكر الأول بدون الألف واللام والثاني بالألف واللام وهما للمح الوصفية كما في العباس ; لأن الأعلام لا يدخل فيها الألف واللام، وفيه رواية الابن عن الأب، وفي الطريق الثاني: وحدثنا إسحاق أخبرنا عبد الصمد هكذا هو رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني : وزاد إسحاق : أخبرنا عبد الصمد ، وفيه حدثنا عمران بن حصين ، وفيه التصريح بسماع عبد الله بن بريدة عن عمران ، وفيه استغناء عن تكلف ابن حبان فيه حيث قال في صحيحه: هذا إسناد قد توهم من لم يحكم صناعة الأخبار ولا تفقه في صحيح الآثار أنه منفصل غير متصل وليس كذلك، فإن عبد الله بن بريدة ولد في السنة الثالثة من خلافة عمر رضي الله تعالى عنه، فلما وقعت فتنة عثمان رضي الله تعالى عنه خرج بريدة بابنيه وهما عبد الله وسليمان وسكن البصرة وبها إذ ذاك عمران بن حصين وسمرة بن جندب فسمع منهما.

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) أخرج البخاري هذا الحديث في هذا الباب عن إسحاق بن منصور ، وفي الباب الذي يليه عن أبي معمر ، وفي الباب الذي يلي الباب الثاني عن عبدان ، وأخرجه أبو داود حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن حسين المعلم عن عبد الله بن بريد " عن عمران بن حصين أنه سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الرجل قاعدا فقال: صلاته قائما أفضل من صلاته قاعدا، وصلاته قاعدا على النصف من صلاته قائما، وصلاته نائما على النصف من صلاته قاعدا " حدثنا محمد بن سليمان الأنباري حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم عن ابن بريدة " عن عمران بن حصين قال: كان بي الباسور فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى الجنب " وأخرجه الترمذي : حدثنا علي بن حجر أخبرنا عيسى بن يونس حدثنا الحسين المعلم عن عبد الله بن بريدة " عن عمران بن حصين قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة الرجل وهو قاعد قال: من صلاها قائما فهو أفضل، ومن صلاها قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلاها نائما فله نصف أجر القاعد " قال الترمذي : وقد روي هذا الحديث عن إبراهيم بن طهمان بهذا الإسناد إلا أنه يقول: " عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاة المريض فقال: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب " حدثنا بذلك هناد حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم بهذا الحديث، وأخرجه النسائي حدثنا حميد بن مسعدة عن سفيان وهو ابن حبيب عن حسين بن ذكوان المعلم عن عبد الله بن بريدة " عن عمران بن حصين قال: سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الذي يصلي قاعدا فقال: من صلى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد " وأخرجه ابن ماجه حدثنا علي بن محمد قال: حدثنا وكيع عن إبراهيم بن طهمان عن حسين المعلم عن ابن بريدة " عن عمران بن الحصين قال: كان بي الباسور، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة فقال: صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى الجنب .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ):

                                                                                                                                                                                  قوله: " وحدثنا إسحاق " هكذا هو في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني : وزاد إسحاق : أخبرنا عبد الصمد .

                                                                                                                                                                                  قوله: " حدثنا عمران " يصرح بسماع عبد الله بن بريدة عن عمران ، وفيه اكتفاء عن تكلف ابن حبان في إقامة [ ص: 159 ] الدليل على أن عبد الله بن بريدة عاصر عمران كما ذكرناه عن قريب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وكان مبسورا " بسكون الباء الموحدة بعدها سين مهملة، أي: كان معلولا بالباسور وهو علة تحدث في المقعدة، وفي التلويح: الباسور بالباء الموحدة مثل الناسور بالنون وهو الجرح الفاذ، أعجمي، يقال: تنسر الجرح تنفض وانتشرت مدته، ويقال: ناسور وناصور عربيان وهو القرحة الفاسدة الباطن التي لا تقبل البرء ما دام فيها ذلك الفساد حيث كانت في البدن، فأما الباسور بالباء الموحدة فهو ورم المقعدة وباطن الأنف.

                                                                                                                                                                                  ( قلت ): الباسور واحد البواسير وهو في عرف الأطباء نفاطات تحدث على نفس المقعدة ينزل منها كل وقت مادة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " قاعدا " في الموضعين " وقائما " و " نائما " أحوال.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ومن صلى نائما " بالنون من النوم، أي: مضطجعا على هيئة النائم، يدل عليه قوله - صلى الله عليه وسلم -: " فإن لم تستطع فعلى جنب " وترجم له النسائي : باب صلاة النائم، ويدل عليه أيضا ما رواه أحمد في مسنده حدثنا عبد الوهاب الخفاف عن سعيد عن حسين المعلم قال: وقد سمعته عن حسين عن عبد الله بن بريدة " عن عمران بن حصين قال: كنت رجلا ذا أسقام كثيرة، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صلاتي قاعدا فقال: صلاتك قاعدا على النصف من صلاتك قائما، وصلاة الرجل مضطجعا على النصف من صلاته قاعدا " انتهى. هذا يفسر أن معنى قوله: " نائما " بالنون يعني مضطجعا وأنه في حق من به سقم بدلالة قوله: " كنت رجلا ذا أسقام كثيرة " وأن ثواب من يصلي قاعدا مثل ثواب من يصلي قائما، وثواب من يصلي مضطجعا نصف ثواب من يصلي قاعدا، وقال الخطابي : وأما قوله: " ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد " فإني لا أعلم أني سمعته إلا في هذا الحديث، ولا أحفظ من أحد من أهل العلم أنه رخص في صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيها قاعدا، فإن صحت هذه اللفظة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يكن من كلام بعض الرواة أدرجه في الحديث وقاسه على صلاة القاعد أو اعتبره بصلاة المريض نائما إذا لم يقدر على القعود، فإن التطوع مضطجعا للقادر على القعود جائز كما يجوز أيضا للمسافر إذا تطوع على راحلته، فأما من جهة القياس فلا يجوز له أن يصلي مضطجعا كما يجوز له أن يصلي قاعدا ; لأن القعود شكل من أشكال الصلاة، وليس الاضطجاع في شيء من أشكال الصلاة، وادعى ابن بطال أن الرواية " من صلى بإيماء " على أنه جار ومجرور، وأن المجرور مصدر أومأ، قال: وقد غلط النسائي في حديث عمران بن حصين وصحفه وترجم له: باب صلاة النائم، فظن أن قوله - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم -: " من صلى بإيماء " إنما هو من صلى نائما، قال: والغلط فيه ظاهر ; لأنه قد ثبت عن النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - أنه أمر المصلي إذا غلبه النوم أن يقطع الصلاة، ثم بين - صلى الله عليه وسلم - معنى ذلك فقال: " لعله يستغفر فيسب نفسه " فكيف يأمره بقطع الصلاة وهي مباحة له وله عليها نصف أجر القاعد ؟ قال: والصلاة لها ثلاثة أحوال، أولها: القيام، فإن عجز عنه فالقعود، ثم إن عجز عنه فالإيماء، وليس النوم من أحوال الصلاة. انتهى.

                                                                                                                                                                                  وقال شيخنا زين الدين : أما نفي الخطابي وابن بطال للخلاف في صحة التطوع مضطجعا للقادر فمردود، فإن في مذهبنا وجهين الأصح منهما الصحة، وعند المالكية فيه ثلاثة أوجه حكاها القاضي عياض في الإكمال أحدها الجواز مطلقا في الاضطرار والاختيار للصحيح والمريض لظاهر الحديث وهو الذي صدر به القاضي كلامه، والثاني منعه مطلقا لهما إذ ليس في هيئة الصلاة، والثالث إجازته لعدم قوة المريض فقط.

                                                                                                                                                                                  وقد روى الترمذي بإسناده عن الحسن البصري جوازه حيث قال: حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن أشعث بن عبد الملك " عن الحسن قال: إن شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما أو جالسا أو مضطجعا " فكيف يدعى مع هذا الخلاف القديم والحديث الاتفاق.

                                                                                                                                                                                  وأما ما ادعاه ابن بطال عن النسائي من أنه صحفه فقال: نائما، وإنما الرواية بإيماء على الجار والمجرور، فلعل التصحيف من ابن بطال ، وإنما ألجأه إلى ذلك حمل قوله: " نائما " على النوم حقيقة الذي أمر المصلي إذا وجده أن يقطع الصلاة، وليس المراد ههنا إلا الاضطجاع لمشابهته لهيئة النائم، وحكى القاضي عياض في الإكمال أن في بعض الروايات مضطجعا مكان نائما، وبه فسره أحمد بن خالد الوهبي فقال: نائما يعني مضطجعا، وقال شيخنا: وبه فسره البخاري في صحيحه فقال بعد إيراده للحديث: قال أبو عبد الله : نائما عندي مضطجعا، وقال أيضا: وقد بوب عليه النسائي : فضل صلاة القاعد على النائم، ولم أر فيه: باب صلاة النائم كما نقله ابن بطال .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) قال الترمذي : هذا الحديث محمول عند بعض أهل العلم على صلاة التطوع ( قلت ): كذلك [ ص: 160 ] حمله أصحابنا على صلاة النفل حتى استدلوا به في جواز صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام ، وقال صاحب الهداية: وتصلى النافلة قاعدا مع القدرة على القيام لقوله - صلى الله عليه وسلم -: " صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم " وحكي عن الباجي من أئمة المالكية أنه حمله على المصلي فريضة لعذر أو نافلة لعذر أو لغير عذر، وقيل: في حديث عمران حجة على أبي حنيفة من أنه إذا عجز عن القعود سقطت الصلاة، حكاه الغزالي عن أبي حنيفة في "الوسيط".

                                                                                                                                                                                  ( قلت ): هذا لم يصح، ولم ينقل هذا أحد من أصحابنا عن أبي حنيفة ، ولهذا قال الرافعي : لكن هذا النقل لا يكاد يلفى في كتبهم ولا في كتب أصحابنا، وإنما الثابت عن أبي حنيفة إسقاط الصلاة إذا عجز عن الإيماء بالرأس ، واستدل بحديث عمران من قال: لا ينتقل المريض بعد العجز عن الصلاة على الجنب والإيماء بالرأس إلى فرض آخر من الإيماء بالطرف، وحكي ذلك عن أبي حنيفة ومالك ، إلا أنهما اختلفا، فأبو حنيفة يقول: يقضي بعد البرء، ومالك يقول: لا قضاء عليه، وحكى صاحب البيان عن بعض الشافعية وجها مثل مذهب أبي حنيفة ، وقال جمهور الشافعية : إن عجز عن الإشارة بالرأس أومأ بطرفه، فإن لم يقدر على تحريك الأجفان أجرى أفعال الصلاة على لسانه، فإن اعتقل لسانه أجرى القرآن والأذكار على قلبه، وما دام عاقلا لا تسقط عنه الصلاة، وقال الترمذي : وقال سفيان الثوري في هذا الحديث: " من صلى جالسا فله نصف أجر القائم " قال: هذا للصحيح ولمن ليس له عذر، فأما من كان له عذر من مرض أو غيره فصلى جالسا فله مثل أجر القائم ، وقال النووي : إذا صلى قاعدا صلاة النفل مع القدرة على القيام فهذا له نصف ثواب القائم، وأما إذا صلى النفل قاعدا لعجزه عن القيام فلا ينقص ثوابه، بل يكون ثوابه كثوابه قائما، وأما الفرض فإن صلاته قاعدا مع القدرة على القيام لا تصح فضلا عن الثواب، وإن صلى قاعدا لعجزه عن القيام أو مضطجعا لعجزه عن القعود فثوابه كثوابه قائما لا ينقص، وفي شرح الترمذي رحمه الله تعالى: إذا صلى الفرض قاعدا مع قدرته على القيام لا يصح، وقال أصحابنا: وإن استحله يكفر وجرت عليه أحكام المرتدين كما لو استحل الزنا أو الربا أو غيره من المحرمات الشائعة التحريم. والله المتعال وإليه المآل.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية