الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ما يبطل الشرط ، ويصح العقد ، مثل أن يشترط أن لا مهر لها ، أو أن لا ينفق عليها أو إن أصدقها رجع عليها ، أو تشترط عليه أن لا يطأها ، أو يعزل عنها أو يقسم لها أقل من قسم صاحبتها أو أكثر أو لا يكون عندها في الجمعة إلا ليلة ، أو شرط لها النهار دون الليل ، أو شرط على المرأة أن تنفق عليه أو تعطيه شيئا . فهذه الشروط كلها باطلة في نفسها ; لأنها تنافي مقتضى العقد ; ولأنها تتضمن إسقاط حقوق تجب بالعقد قبل انعقاده ، فلم يصح ، كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع ، فأما العقد في نفسه فصحيح ; لأن هذه الشروط تعود إلى معنى زائد في العقد ، لا يشترط ذكره ، ولا يضر الجهل به ، فلم يبطله .

                                                                                                                                            كما لو شرط في العقد صداقا محرما ; ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض ، فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد ، كالعتاق وقد نص أحمد في رجل تزوج امرأة ، وشرط عليها أن يبيت عندها في كل جمعة ليلة ، ثم رجعت وقالت : لا أرضى إلا ليلة وليلة فقال : لها أن تنزل بطيب نفس منها ، فإن ذلك جائز ، وإن قالت : لا أرضى إلا بالمقاسمة كان ذلك حقا لها ، تطالبه إن شاءت ، ونقل عنه الأثرم في الرجل يتزوج المرأة ويشترط عليها أن يأتيها في الأيام يجوز الشرط ، فإن شاءت رجعت ، وقال في الرجل يتزوج المرأة على أن تنفق عليه في كل شهر خمسة دراهم ، أو عشرة دراهم ، النكاح جائز ولها أن ترجع في هذا الشرط .

                                                                                                                                            وقد نقل عن أحمد كلام في بعض هذه الشروط .

                                                                                                                                            يحتمل إبطال العقد ، نقل عنه المروزي في النهاريات والليليات : ليس هذا من نكاح أهل الإسلام ، وممن كره تزويج النهاريات حماد بن أبي سليمان وابن شبرمة وقال الثوري : الشرط باطل . وقال أصحاب الرأي : إذا سألته أن يعدل لها ، عدل . وكان الحسن ، وعطاء لا يريان بنكاح النهاريات بأسا وكان الحسن لا يرى بأسا أن يتزوجها ، على أن يجعل لها من الشهر أياما معلومة ، ولعل كراهة من كره ذلك راجع إلى إبطال الشرط ، وإجازة من أجازه راجع إلى أصل النكاح ، فتكون أقوالهم متفقة على صحة النكاح وإبطال الشرط ، كما قلنا . والله أعلم .

                                                                                                                                            وقال القاضي : إنما كره أحمد هذا النكاح ; لأنه يقع على وجه السر ، ونكاح السر منهي عنه ، فإن شرط عليه ترك الوطء ، احتمل أن يفسد العقد ; لأنه شرط ينافي المقصود من النكاح ، وهذا مذهب الشافعي ، وكذلك إن شرط عليه أن لا تسلم إليه ، فهو بمنزلة ما لو اشترى شيئا على أن لا يقبضه وإن شرط عليها أن لا يطأها ، لم يفسد ; لأن الوطء [ ص: 73 ] حقه عليها ، وهي لا تملكه عليه ويحتمل أن يفسد ; لأن لها فيه حقا ، ولذلك تملك مطالبته به إذا آلى ، والفسخ إذا تعذر بالجب والعنة .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية