الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا طالب الموكل المشتري بالثمن فله أن يمنعه إياه ) ; لأنه أجنبي عن العقد وحقوقه لما أن الحقوق إلى العاقد ( فإن دفعه إليه جاز ولم يكن للوكيل أن يطالبه به ثانيا ) ; لأن نفس الثمن المقبوض حقه وقد وصل إليه ، [ ص: 25 ] ولا فائدة في الأخذ منه ثم الدفع إليه ، ولهذا لو كان للمشتري على الموكل دين يقع المقاصة ، ولو كان له عليهما دين يقع المقاصة بدين الموكل أيضا دون دين الوكيل وبدين الوكيل إذا كان وحده إن كان يقع المقاصة عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله لما أنه يملك الإبراء عنه عندهما ولكنه يضمنه للموكل في الفصلين .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( وإذا طالب الموكل المشتري بالثمن فله أن يمنعه إياه ) أي فللمشتري أن يمنع الثمن من الموكل ( لأنه ) أي الموكل ( أجنبي عن العقد وحقوقه ، لما ) تقدم ( أن الحقوق تعود إلى العاقد ) في البيع وأمثاله ، ولهذا إذا نهاه الوكيل عن قبض الثمن ونحوه صح ، وإن نهاه الموكل عن ذلك لا يصح .

وإذا كان كذلك لم يجز مطالبة الموكل إلا بإذن الوكيل ( فإن دفعه إليه ) أي إن دفع المشتري الثمن إلى الموكل ( جاز ) يعني ومع ذلك لو دفع المشتري الثمن إلى الموكل جاز دفعه إليه استحسانا .

فالفاء في قوله فإن دفعه للعطف لا للسببية ، ولكن لو بدلت بالواو لكان أحسن كما لا يخفى ( ولم يكن للوكيل أن يطالبه به ) أي بالثمن ( ثانيا ; لأن نفس الثمن المقبوض حقه ) أي حق الموكل وإن كانت مطالبته حق الوكيل ( وقد وصل إليه ) [ ص: 25 ] وقد وصل حق الموكل إلى نفسه ( فلا فائدة في الأخذ منه ) أي من الموكل ( ثم في الدفع إليه ) أي إلى الوكيل . واعلم أن هذا في غير الصرف ، وأما في الصرف فقبض الموكل لا يصح ; لأن جواز البيع في الصرف بالقبض فكان القبض فيه بمنزلة الإيجاب والقبول ; ولو ثبت للوكيل حق القبول وقبل الموكل لم يجز . فكذا إذا ثبت له حق القبض وقبض الموكل ، أشير إلى هذا في الذخيرة وذكر في الشروح ( ولهذا ) أي ولكون نفس الثمن المقبوض حق الموكل ( لو كان للمشتري على الموكل دين تقع المقاصة ، ولو كان له عليهما دين تقع المقاصة بدين الموكل أيضا دون دين الوكيل ) حتى لا يرجع الموكل على الوكيل بشيء من الثمن ، وهذا ; لأن المقاصة إبراء بعوض فتعتبر بالإبراء بغير عوض ، ولو أبرآه جميعا بغير عوض وخرج الكلامان معا برئ المشتري بإبراء الموكل دون الوكيل حتى لا يرجع الموكل على الوكيل بشيء فكذا هاهنا ، ولأنا لو جعلناه قصاصا بدين الوكيل احتجنا إلى قضاء آخر فإن الوكيل يقضي للموكل ، ولو جعلناه قصاصا بدين الموكل لم نحتج إلى قضاء آخر فجعلناه قصاصا بدين الموكل قصرا للمسافة فقد أثبتنا حكما مجمعا عليه ، فإن الموكل يملك إسقاط الثمن عن المشتري بالإجماع ، ولو جعلناه قصاصا بدين الوكيل لأثبتنا حكما مختلفا فيه فكان ما قلناه أولى ، كذا ذكره شيخ الإسلام المعروف بخواهر زاده . ولما استشعر أن يقال المقاصة لا تدل على كون نفس الثمن حقا للموكل دون الوكيل فإنها تقع بدين الوكيل إذا كان للمشتري دين على الوكيل وحده .

أجاب بقوله ( وبدين الوكيل إذا كان وحده ) إن كان ( تقع المقاصة عند أبي حنيفة ومحمد لما أنه ) أي الوكيل ( يملك الإبراء عنه ) أي عن المشتري ( عندهما ) أي عند أبي حنيفة ومحمد : يعني أنه إن كان تقع المقاصة عندهما بدين الوكيل وحده لعلة أن الوكيل يملك الإبراء بغير عوض عن المشتري عندهما فيملك المقاصة أيضا ; لأنها إبراء بعوض فتعتبر بالإبراء بغير عوض ( ولكنه يضمنه ) أي ولكن الوكيل يضمن الثمن ( للموكل في الفصلين ) أي في فصل الإبراء والمقاصة ، بخلاف الموكل فإنه لا يضمن لأحد في شيء [ ص: 26 ] من الفصلين فافترقا . وقال أبو يوسف : لا يجوز إبراء الوكيل استحسانا ; لأن الثمن في ذمة المشتري ملك الموكل ، فإبراء الوكيل تصرف في ملك الغير على خلاف ما أمر به فلا ينفذ ، كما لو قبض الثمن ثم وهبه للمشتري . وحجة أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله أن الإبراء إسقاط لحق القبض ، والقبض خالص حق الوكيل ; ألا ترى أن الموكل لا يمنعه عن ذلك ، ولو أراد أن يقبض بنفسه لم يكن له ذلك فكان هو في الإبراء عن القبض مسقطا حق نفسه فيصح منه .

ثم أنه لما أسقط حق القبض انسد على الموكل باب الاستيفاء إذ ليس له حق القبض فصار ضامنا له بمنزلة الراهن يعتق المرهون ينفذ إعتاقه لمصادفته ملكه ولكن يضمن للمرتهن لانسداد باب الاستيفاء من مالية العبد عليه ، كذا في المبسوط . فإن قيل : ينبغي أن لا يجوز من الوكيل بالبيع مثل هذا البيع الذي يوجب مقاصة ثمن المبيع بدين الموكل ; لأنه خالف الموكل ; لأنه إنما وكله ببيع يصل إليه ثمنه وها هنا لا يصل . قلت : إن لم يصل إليه الثمن بعد البيع فقد وصل إليه قبل البيع فيصير الثمن قصاصا بدين الآمر عندهم جميعا ; لأن الآمر يملك إبراء المشتري عن الثمن بغير عوض عندهم فيملك الإبراء بعوض بطريق الأولى . كذا في الذخيرة .




الخدمات العلمية