الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                            ( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم )

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( إنما الحياة الدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسألكم أموالكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            زيادة في التسلية يعني كيف تمنعك الدنيا من طلب الآخرة بالجهاد ، وهي لا تفوتك لكونك منصورا غالبا ، وإن فاتتك فعملك غير موتر ، فكيف وما يفوتك ، فإن فات فائت ولم يعوض لا ينبغي لك أن تلتفت إليها لكونها لعبا ولهوا ، وقد ذكرنا في اللعب واللهو مرارا أن اللعب ما تشتغل به ولا يكون فيه ضرورة في الحال ولا منفعة في المآل ، ثم إن استعمله الإنسان ولم يشغله عن غيره ، ولم يثنه عن أشغاله المهمة فهو لعب وإن شغله ودهشه عن مهماته فهو لهو ، ولهذا يقال : ملاه لآلات الملاهي لأنها مشغلة عن الغير ، ويقال لما دونه لعب كاللعب بالشطرنج والحمام ، وقد ذكرنا ذلك غير مرة ، وقوله : ( وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ) إعادة للوعد والإضافة للتعريف ، أي الأجر الذي وعدكم بقوله : ( أجر كريم ) [الحديد : 11] : ( وأجر كبير ) [الملك : 12] : ( وأجر عظيم ) [الحجرات : 3] وقوله : ( ولا يسألكم أموالكم ) يحتمل وجوها :

                                                                                                                                                                                                                                            أحدها : أن الجهاد لا بد له من إنفاق ، فلو قال قائل أنا لا أنفق مالي ، فيقال له : الله لا يسألكم مالكم في الجهات المعينة من الزكاة والغنيمة وأموال المصالح فيما تحتاجون إليه من المال لا تراعون بإخراجه .

                                                                                                                                                                                                                                            وثانيها : الأموال لله وهي في أيديكم عارية وقد طلب منكم أو أجاز لكم في صرفها في جهة الجهاد فلا معنى لبخلكم بماله ، وإلى هذا إشارة بقوله تعالى : ( وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض ) [الحديد : 10] أي الكل لله .

                                                                                                                                                                                                                                            وثالثها : لا يسألكم أموالكم كلها ، وإنما يسألكم شيئا يسيرا منها وهو ربع العشر ، وهو قليل جدا لأن العشر هو الجزء الأقل إذ ليس دونه جزء وليس اسما مفردا ، وأما الجزء من أحد عشر ومن اثني عشر و [إلى] مائة جزء لما لم يكن ملتفتا إليه لم يوضع له اسم مفرد .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم إن الله تعالى لم يوجب ذلك في رأس المال بل أوجب ذلك في الربح الذي هو من فضل الله [ ص: 65 ] وعطائه ، وإن كان رأس المال أيضا كذلك ، لكن هذا المعنى في الربح أظهر ، ولما كان المال منه ما ينفق للتجارة فيه ومنه ما لا ينفق ، وما أنفق منه للتجارة أحد قسميه وهو يحتمل أن تكون التجارة فيه رابحة ، ويحتمل أن لا تكون رابحة فصار القسم الواحد قسمين فصار في التقدير كان الربح في ربعه فأوجب [ربع] عشر الذي فيه الربح وهو عشر فهو ربع العشر وهو الواجب ، فعلم أن الله لا يسألكم أموالكم ولا الكثير منه .

                                                                                                                                                                                                                                            ثم قال تعالى : ( إن يسألكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ) .

                                                                                                                                                                                                                                            الفاء في قوله : ( فيحفكم ) للإشارة إلى أن الإحفاء يتبع السؤال بيانا لشح الأنفس ، وذلك لأن العطف بالواو قد يكون للمثلين وبالفاء لا يكون إلا للمتعاقبين أو متعلقين أحدهما بالآخر فكأنه تعالى بين أن الإحفاء يقع عقيب السؤال لأن الإنسان بمجرد السؤال لا يعطي شيئا وقوله : ( تبخلوا ويخرج أضغانكم ) يعني ما طلبها ولو طلبها وألح عليكم في الطلب ، كيف وأنتم تبخلون باليسير لا تبخلون بالكثير .

                                                                                                                                                                                                                                            وقوله : ( ويخرج أضغانكم ) يعني بسببه فإن الطالب وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يطلبونكم وأنتم لمحبة المال وشح الأنفس تمتنعون فيفضي إلى القتال وتظهر به الضغائن .

                                                                                                                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                            الخدمات العلمية