الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 351 ] وسئل الشيخ -رحمة الله عليه-

عن رجل يشتري القمح في زمان الصيف من الجند وغيرهم، فإن ذلك الوقت يرى الجند الشرى من عندهم صدقة مما عليهم من الديون وقلة الطالب للقمح، ثم يخزنه المشتري إلى زمان الشتاء، فيطلب فيه ما رزقه الله من الفائدة، فيمسك يده عن بيعه حتى يكثر طالبه. فهل هذا محتكر أم لا؟ ولا بد أن يرى في قلبه حب للغلاء، فهل يأثم بذلك أم لا؟ وهل ترك ذلك خير أم لا؟

وعن رجل رأى في المنام أنه يجامع، ولم تدركه اللذة الكبرى والإنزال إلا بعد أن استيقظ، فهل يفسد صومه أم لا؟

أفتونا مأجورين.

فأجاب -رضي الله عنه- عن ذلك وقال:

الحمد لله. أما ما ذكر من اشتراء القمح وخزنه فتركه خير من فعله، فإنه يورثه محبته ارتفاع السعر، وأن يجمع المال من عموم المسلمين.

قال أحمد: إن مالا جمع من عموم المسلمين لمال سوء. ولكن هذا عند طائفة من العلماء إذا كان من البلاد الكثيرة القمح الرخيصة السعر إذا لم يضر ذلك أهلها لا يحرم، بخلاف ما إذا كان شراؤه وخزنه يضر أهل المكان، فإن هذا احتكار محرم، [ ص: 352 ] كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يحتكر إلا خاطئ". ومن قال بتحريم هذا الاحتكار أخذ بعموم هذا الحديث، وقوله متوجه.

وأما إذا رأى في منامه أنه يجامع ولم ينزل حتى استيقظ، فخرج منه الماء بغير اختياره، فإن هذا لا يفطر كما لا يفطر إذا أنزل في منامه، لأن الماء خرج منه بغير اختياره. وإذا خرج منه المني بغير سعي منه ولا عمل لم يفطر، كما لو ذرعه القيء فخرج منه القيء بغير اختياره فإنه لا يفطر، وإنما يفطر من استمنى واستقاء. ولهذا لو غلبه الفكر حتى أنزل لم يفسد صومه باتفاق الأئمة، بخلاف ما إذا استدعى الفكر حتى أنزل، ففي فساد صومه قولان للعلماء: أحدهما يفسد، وهو مذهب مالك وأحمد في أحد القولين، اختاره أبو حفص وابن عقيل. والآخر لا يفطر، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي والقول الآخر من مذهب أحمد ، اختاره القاضي أبو يعلى وطائفة.

وأما إذا كرر النظر حتى أنزل، فإنه يفسد صومه في مذهب مالك وأحمد ، بخلاف مذهب أبي حنيفة والشافعي، فإنهما لا يريان الفطر إلا أن ينزل بمباشرة كالقبلة ونحوها. والله تعالى أعلم. [ ص: 353 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية