الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فقربه إليهم قال ألا تأكلون ( 27 ) فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ( 28 ) فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم ( 29 ) )

وقوله ( فقربه إليهم قال ألا تأكلون ) ؟ وفي الكلام متروك استغني بدلالة الظاهر عليه منه وهو فقربه إليهم ، فأمسكوا عن أكله ، فقال : ألا تأكلون؟ فأوجس منهم ، يقول : فأوجس في نفسه إبراهيم من ضيفه خيفة وأضمرها ( قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ) يعني : بإسحاق ، وقال : عليم بمعنى عالم إذا كبر ، وذكر الفراء أن بعض المشيخة كان يقول : إذا كان للعلم منتظرا قيل : إنه لعالم عن قليل وغاية ، وفي السيد سائد ، والكريم كارم . [ ص: 426 ] قال : والذي قال حسن . قال : وهذا أيضا كلام عربي حسن قد قاله الله في عليم وحكيم وميت .

وروي عن مجاهد في قوله ( بغلام عليم ) ما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله ( بغلام عليم ) قال : إسماعيل .

وإنما قلت : عنى به إسحاق ، لأن البشارة كانت بالولد من سارة ، وإسماعيل لهاجر لا لسارة .

قوله ( فأقبلت امرأته في صرة ) يعني : سارة ، وليس ذلك إقبال نقلة من موضع إلى موضع ، ولا تحول من مكان إلى مكان ، وإنما هو كقول القائل : أقبل يشتمني ، بمعنى : أخذ في شتمي . وقوله ( في صرة ) يعني : في صيحة .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( في صرة ) يقول : في صيحة .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها ) يعني بالصرة : الصيحة .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( في صرة ) قال : صيحة .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( فأقبلت امرأته في صرة ) : أي أقبلت في رنة . [ ص: 427 ]

حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله ( صرة ) قال : أقبلت ترن .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن العلاء بن عبد الكريم اليامي ، عن ابن سابط قوله ( فأقبلت امرأته في صرة ) قال : في صيحة .

حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( فأقبلت امرأته في صرة ) قال : الصرة : الصيحة .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله ( في صرة ) يعني : صيحة . وقد قال بعضهم : إن تلك الصيحة أوه مقصورة الألف .

وقوله ( فصكت وجهها ) اختلف أهل التأويل في معنى صكها ، والموضع الذي ضربته من وجهها ، فقال بعضهم : معنى صكها وجهها : لطمها إياه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله ( فصكت وجهها ) يقول : لطمت .

وقال آخرون : بل ضربت بيدها جبهتها تعجبا .

ذكر من قال ذلك :

حدثني موسى بن هارون قال : ثنا عمرو بن حماد قال : ثنا أسباط ، عن السدي قال : لما بشر جبريل سارة بإسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب ، ضربت جبهتها عجبا ، فذلك قوله ( فصكت وجهها ) . [ ص: 428 ]

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله ( فصكت وجهها ) قال : جبهتها .

حدثني ابن حميد قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن العلاء بن عبد الكريم اليامي ، عن ابن سابط قوله ( فصكت وجهها ) قال : قالت هكذا; وضرب سفيان بيده على جبهته .

قال : ثنا مهران ، عن سفيان ( فصكت وجهها ) وضعت يدها على جبهتها تعجبا ، والصك عند العرب : هو الضرب . وقد قيل : إن صكها وجهها ، أن جمعت أصابعها ، فضربت بها جبهتها ( وقالت عجوز عقيم ) يقول : وقالت : أتلد ، وحذفت " أتلد " لدلالة الكلام عليه ، وبضمير أتلد رفعت عجوز عقيم ، وعنى بالعقيم : التي لا تلد .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن المثنى قال : ثنا سليمان أبو داود قال : ثنا شعبة ، عن مشاش قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( عجوز عقيم ) قال : لا تلد .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا هشيم قال : أخبرنا رجل من أهل خراسان من الأزد ، يكنى أبا ساسان قال : سألت الضحاك ، عن قوله ( عقيم ) قال : التي ليس لها ولد .

التالي السابق


الخدمات العلمية