الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما المستحق لصرف الزكاة إليه فهذا الكتاب مقصور عليه والأصل فيه قوله تعالى : خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها [ التوبة : 103 ] أي تطهر ذنوبهم وتزكي أعمالهم ، فكان في هذه الآية وجوب لأدائها من غير ذكر لمستحقها ، وقال تعالى : وفي أموالهم حق للسائل والمحروم [ الذاريات : 19 ] ، فأما السائل فهو الذي يسائل الناس لفاقته .

                                                                                                                                            [ ص: 470 ] وفي المحروم خمسة تأويلات :

                                                                                                                                            أحدها : أنه المتعفف الذي لا يسأل [ الناس شيئا ولا يعلم بحاجته ] وهو قول قتادة .

                                                                                                                                            والثاني : أنه المحارف الذي لا يتيسر له مكسبه ، وهو قول عائشة .

                                                                                                                                            والثالث : أنه الذي يطلب الدنيا وتدبر عنه ، وهو قول ابن عباس .

                                                                                                                                            والرابع : أنه المصاب بزرعه وثمره [ يعينه من لم يصب ] ، وهو قول ابن زيد .

                                                                                                                                            والخامس : أنه المملوك ، وهو قول عبد الرحمن بن حميد .

                                                                                                                                            وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها في فقرائكم ، وقال - صلى الله عليه وسلم - لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن : يا معاذ ، بشر ولا تنفر ويسر ولا تعسر ، ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله ، فإن أجابوك فأعلمهم أن في أموالهم حقا يؤخذ من أغنيائهم فيرد على فقرائهم ، فدل ما ذكرنا من الكتاب والسنة على أن الزكاة مصروفة في ذوي الفقر والحاجة من غير حرفة ولا تعيش ، وإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمنا أنه من اجتهاده ، إلى أن كان ما رواه الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخدري قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقسم قسما إذ جاءه ذو الخويصرة اليماني فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال : ويلك ، فمن يعدل إذا لم أعدل ؟ ! فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، ائذن لي فأضرب عنقه ، فقال : دعه ، فأنزل الله تعالى : ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون [ التوبة : 58 ] ، ثم إن الله تعالى نزه نبيه عن هذا العتب وتولى قسمها بين أهلها فقال : إنما الصدقات للفقراء والمساكين [ التوبة : 60 ] الآية إلى قوله تعالى : فريضة من الله والله عليم حكيم [ التوبة : 60 ] أي عليم بالمصلحة حكيم في القسمة ، فعند ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن الله تعالى لم يرض في قسمة الأموال بملك مقرب ولا نبي مرسل حتى تولى قسمها بنفسه ، فصار مال الزكوات مقسوما في أهله بنص الكتاب كالفيء والغنيمة .

                                                                                                                                            وروى زياد بن الحرث الصدائي فقال : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فبايعته فجاءه رجل فقال : أعطني من الصدقة ، فقال : إن الله تعالى لم يرض في الصدقة بحكم نبي ولا غيره حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء ، فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك حقك .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية