الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ولو أعتق حاملا من زوجها القن لا ينتقل ولاء الحمل عن موالي الأم أبدا ) ; لأن الجنين عتق بعتق أمه وعتق أمه مقصود فكذا هو يعتق مقصودا ; لأنه هو جزء الأم والمولى أوقع الإعتاق على جميع أجزائها وأورد أن هذا مخالف لما ذكر في كتاب الإعتاق فإنهم هناك قالوا وإن أعتق حاملا عتق حملها تبعا لها إذ هو متصل بها فأوردوا أنه يعتق تبعا لا قصدا ، وهذا مناف لما ذكروه هنا والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام { الولاء لمن أعتق } وإنما يعرف كون الحمل موجودا عند العتق بأن تلده لأقل من ستة أشهر من وقت العتق ، وكذا إذا ولدت ولدين أحدهما لأقل من ستة أشهر والآخر لأكثر منه وبينهما أقل من ستة أشهر ; لأنا تيقنا أن الأول كان موجودا عند العتق فإذا تناول الإعتاق الأول تناول الآخر ضرورة وصار معتقا لهما والولاء لا ينتقل من المعتق وقوله من زوجها القن مثال ، وكذا لو كان زوجها مكاتبا أو مدبرا وقوله من زوجها صادق بحال قيام النكاح أو بعده وما بعد النكاح لا يتأتى فيه هذا التفصيل فكان عليه أن يقول ، ولو أعتق حاملا من زوجها القن حال قيامه وجاءت به لأقل من ستة أشهر .

                                                                                        قال رحمه الله ( فإن ولدت بعد عتقها لأكثر من ستة أشهر فولاؤه لولي الأم ) ; لأن الولد جزؤها فيتبعها في الصفات الشرعية ألا ترى أنه يتبعها في الحرية وغيرها فكذا الولاء عند تعذر جعله تبعا للأب لرقه وفي التتارخانية ولدت فقالت المرأة ولدت بعد عتقي بخمسة أشهر وولاؤه لموالي الأم ، وقال الزوج بعد عتقك بستة أشهر فولاؤه لموالي فالقول قول الزوج ا هـ .

                                                                                        قال رحمه الله ( فإن أعتق العبد ) وهو الأب ( جر ولاء ابنه لمواليه ) ; لأن موالي الأم لم يعتق الولد هاهنا لحدوثه [ ص: 75 ] بعد إعتاقها وإنما نسب إليه تبعا للإمام لتعذر نسبته إلى الأب فإذا أعتق الأب أمكن نسبته إليه فجعله تبعا له أولى من جعله تبعا للأم ; لأن الولاء كالنسب قال عليه الصلاة والسلام { الولاء لحمة كلحمة النسب } والنسب إلى الأباء فكذا الولاء ينتقل إلى موالي الأب إذا زال المانع كولد الملاعنة يثبت نسبه من قوم الأم فإذا أكذب نفسه ينتقل إلى الأب لزوال المانع وفي الكافي قلتم الولاء كالنسب والنسب لا يقبل الفسخ بعد ثبوته فكذا الولاء لا يقبل الفسخ بعد ثبوته قلنا لا ينفسخ ، ولكن حدث ولاء أولى منه فقدم عليه كما تقول في الأخ إنه عصبة فإذا حدث من هو أولى منه كالابن لا تبطل عصوبته ، ولكن يقدم عليه أورد هل إذا قلتم لم ينفسخ ، ولكن قدم عليه لزم أن يرث مولى الأم عند انقطاع مولى الأب بعد انتقال الولاء عن مواليها إلى مواليه ولم يرو عن أحد أنهم يرثون بعد انتقال الولاء عنهم هذا إذا لم تكن معتدة فإن كانت معتدة فجاءت بولد لأكثر من ستة أشهر من وقت العتق ولأقل من سنتين من وقت الفراق لا ينتقل ولاؤه إلى موالي الأب ; لأنه كان موجودا عند إعتاق الأم فصادقه الإعتاق ضرورة فلا ينتقل إلى موالي الأب وفي التتارخانية بخلاف ما إذا أعتق الأم حال قيام النكاح ، ثم جاءت بالولد لستة أشهر فصاعدا وباقي المسألة بحالها كان ولاء الولد لموالي الأم ، وكذا إذا كانت عن طلاق رجعي ، وقد جاءت بالولد لستة أشهر كان ولاء هذا الولد لموالي الأم .

                                                                                        وهذا الذي ذكرناه إذا لم تقر بانقضاء العدة فإن أقرت بانقضاء العدة ، ثم جاءت بالولد لأقل من ستة أشهر بعد الإقرار ولتمام السنتين منذ طلقها فإن ولاء الولد لموالي الأم وإن جاءت به لأكثر من سنتين منذ طلقها فإن ولاء الولد لمولى الأب وفي الجامع الصغير إذا تزوجت معتقة بعبد فولدت أولادا فجنى الأولاد فعقلهم على موالي الأم ; لأنهم عاقلة لأمهم ولهم فإن عتق الأب بعد ذلك جر ولاء الأولاد على نفسه ولا يرجعون على عاقلة الأب بخلاف ولد الملاعنة إذا عقل عنه قوم الأم ، ثم أكذب الملاعن نفسه حيث يرجعون على عاقلة الأب والفرق أن النسب من وقت العلوق لا من وقت الإكذاب وبالإكذاب تبين أن عقله كان على قوم الأب ، وقد أجبر قوم الأم على الدفع فيرجعون عليهم وفي المولى حين عقل قوم الأم كان ثابتا لهم وإنما ثبت لقوم الأب مقصورا على زمان الإعتاق فلا يرجعون به قال أسلمت كافرة على يد رجل فأعتقت عبدا فارتدت ولحقت بدار الحرب فسبى أبوها فاشتراه رجل فأعتقه لم يجر ولاؤه ولاءها ; لأنها بمنزلة الميت ، ولو لم ترتد والمسألة بحالها فولاء المرأة لمعتق العبد رجل مسلم أعتق مسلما فرجعا عن الإسلام فامتنعوا فأسلم العبد دون المولى فولاء العبد لمولاه على حاله وإن كان له عشرة من المسلمين فعقله عليهم وميراثه لهم وإن لم يكن فميراثه لبيت المال وعقله عليه ، وقيل عقله على نفسه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية