الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( فلو أكره على بيع أو شراء أو إقرار أو إجارة بقتل أو ضرب شديد أو حبس مديد خير بين أن يمضي البيع أو يفسخ ) ولما كان الإكراه تارة يقع في حقوق العباد وأخرى في حقوق الله تعالى وحق العبد مقدم لحاجة العبد إليه قدمه ولما كان الإكراه على نوعين ملجئ وغير ملجئ وكل منهما يفسد الرضا الذي هو شرط الصحة لهذه العقود فكذا ذكر القتل والضرب ولما كان لا فرق بين أن يكره على بيع هذا أو بيع ولم يعين جاء بالعبارة منكرة قيد بضرب شديد وحبس مديد ; لأنه لو قال أضربك سوطا أو سوطين أو أحبسك يوما أو يومين فإنه لا يكون إكراها قال في المحيط إلا إذا قال له لأضربنك على رأسك أو عينك أو مذاكرك فإنه يكون إكراها ; لأن مثل هذا إذا حصل في هذه الأعضاء قد يفضي إلى التلف وفي المحيط قال مشايخنا إلا إذا كان الرجل صاحب منصب يعلم أنه يتضرر بضرب سوط أو حبس يوم فإنه يكون إكراها .

                                                                                        وقد يكون فيه ما يكون في الحبس من الإكراه لما يجيء به من الاغتمام البين ومن الضرب ما يجد به الألم الشديد وليس في ذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه ; لأنه يختلف باختلاف أحوال الناس فمنهم لا يتضرر إلا بضرب شديد وحبس مديد ومنهم من يتضرر بأدنى شيء كالشرفاء والرؤساء يتضررون بضرب سوط أو بفرك أذنه [ ص: 81 ] لا سيما في ملأ من الناس أو بحضرة السلطان وفي الخانية ، ولو أكره على بيع جارية ولم يعين فباع من إنسان كان فاسدا والإكراه بحبس الوالدين والأولاد لا يعد إكراها ; لأنه ليس بإكراه ولا يعدم الرضا بخلاف حبس نفسه وفي المحيط ، ولو أكره بحبس ابنه أو عبده على أن يبيع عبده أو يهبه ففعل فهو إكراه استحسانا ، وكذا في الإقرار ووجهه أن الإنسان يتضرر بحبس ابنه أو عبده ألا ترى أنه لا يؤثر حبس نفسه على حبس ولده فإن قلت بهذا نفي الأول قلنا لا فرق بين الوالدين والولد في وجه الاستحسان وهو المعتمد كما لا فرق بينهما في وجه القياس وقوله خير بين أن يمضي أو يفسخ تقديره ، وإذا زال الإكراه إلى آخره دفعا للضرر عن نفسه قال رحمه الله ( ويثبت به الملك عند القبض للفساد ) يعني يثبت بالشراء الملك للمشتري لكونه كسائر البياعات الفاسدة وظاهر عبارة المصنف فساد البيع مطلقا والذي يظهر أن البيع إنما يكون فاسدا إذا قال المكره تلفظت بالبيع طبق ما أراد فإذا قال أردت الإخبار به كاذبا أو قال أردت إنشاء البيع فهو بيع صحيح لا خيار فيه ولا فساد أخذا من التفصيل في حالة العتق .

                                                                                        وقال زفر لا يثبت به الملك ; لأنه موقوف ولنا أن ركن البيع وهو الإيجاب والقبول صدر من أهله مضافا إلى محله فيكون مشروعا بأصله غير مشروع بوصفه فيفيد الملك بالقبض حتى لو قبضه وتصرف فيه تصرفا لا يحتمل النقض كالإعتاق والتدبير جاز تصرفه وإنما لا تفسد بالإجارة ; لأن المفسد يرتفع بها وهو عدم الرضا فصار كسائر البياعات لفساده وفي المحيط لو أكره على البيع بألف فباع بخمسمائة لم يجز وإن باع بأكثر من الألف جاز ; لأن في الأول خالف مقصود المكره ; لأن مقصود المكره لحاق الضرر بالمكره والبيع بخمسمائة أضر به من البيع بألف فكان الإكراه على البيع بألف إكراها له على الأقل وفي الثاني خالف إلى غير رأي المكره ; لأنه اكتسب نفعا لنفسه ، ولو باع بدنانير قيمتها ألف لم يجز ; لأن الدراهم والدنانير جعلا كجنس واحد و في التجارات عرضا ومقصودا ، ولو باعه بعرض أو بمكيل أو موزون بأقل من قيمته جاز ; لأنه غير جنس ما أكره عليه أو أكره على بيع جائز فباع فاسدا لم يجز فإذا هلك إن شاء ضمن المشتري أو المكره وعلى عكسه يكون رضا بالبيع والفرق أن المكره على البيع الفاسد متى باع جائزا فقد أتى بغير ما أكره عليه ; لأن الجائز ضد الفاسد ويفيد من الأحكام ما لا يفيده الفاسد والمكره على البيع الجائز متى باع فاسدا فقد أتى بما هو أنقص ; لأن الفاسد أنقص من الجائز ، ولو أكره على البيع فوهب جاز ; لأنه غير جنس ما أكره عليه ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية