مسألة : قال
الشافعي : " والعاملون عليها ، من ولاه الوالي قبضها ومن لا غنى للوالي عن معونته عليها وأما الخليفة ووالي الإقليم العظيم الذي لا يلي قبض الصدقة ، وإن كانا من القائمين بالأمر بأخذها ، فليسا عندنا ممن له فيها حق ؛ لأنهما لا يليان أخذها . وشرب
عمر - رضي الله عنه - لبنا فأعجبه فأخبر أنه من نعم الصدقة فأدخل إصبعه فاستقاءه . ( قال ) ويعطى العامل بقدر غنائه من الصدقة وإن كان موسرا : لأنه يأخذه على معنى الإحازة " .
قال
الماوردي : وقد ذكرنا أن
سهم العاملين على الصدقات ثابت إذا تولوا قبضها وتفريقها وساقط منها إذا تولى رب المال بنفسه ، فإن قال رب المال المتولي لتفريق زكاته أنا آخذ سهم العاملين لنفسي للقيام بالعمل في التفرقة مقام العاملين لم يجز : لأن
nindex.php?page=treesubj&link=3246العامل من ولاه الإمام قبضها وتفريقها نيابة عن أهل الصدقات ، ورب المال إنما هو نائب عن نفسه : لأنه لا
[ ص: 494 ] يجوز أن يكون وكيلا عليها لغيره ، وإذا كان هكذا لم يخل حال
nindex.php?page=treesubj&link=3088رب المال إذا دفع زكاة ماله إلى الوالي من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يدفعها إلى الإمام الذي هو الخليفة على الأمر .
والثاني : أن يدفعها إلى والي الإقليم الناظر في جميع أموره .
والثالث : أن يدفعها إلى العامل الذي ولاه الإمام قبضها وجعل نظره مقصورا عليها ، فإن تولاه الإمام سقط منها سهم العاملين عليها : لأن ولاية الإمام عامة قد أخذ رزقه عليها من بيت المال ، فلم يجمع له بين رزقين على عمل واحد ، ولما روى
الشافعي عن
مالك عن
زيد بن أسلم عن أبيه أن رجلا أتى
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بلبن فشربه فأعجبه فقال من أين لك هذا ؟ فقال مررت بلقاح الصدقة فأعطونيه فجعلته في سقائي ، فاستقاءه
عمر - رضي الله عنه - فدل على أنه يحرم عليه مال الصدقة ؛ ولذلك لم يستبقه في جوفه .
فإن قيل : فما تأثير استقائه بعد استهلاكه
nindex.php?page=treesubj&link=18613ومن أكل حراما لم يلزمه أن يستقيئه ؟
قيل في استقائه لذلك ثلاثة أمور :
أحدها : أن يعلم الناس تحريم الصدقات على الإمام .
والثاني : أن من أخذ ما لا يحل له من مغصوب وغيره فتغير في يده لم يملكه ، بخلاف ما قال
أبو حنيفة .
والثالث : لئلا يستديم الاغتذاء والانتفاع بحرام ، وهكذا لو تولى قبض الصدقات وتفريقها والي الإقليم سقط منها سهم العاملين : لأنهم في عموم ولايته على ذلك الإقليم الذي قد ارتزق على عمله فيه جار مجرى الإمام .
فأما إذا اختص لعامل بقبض الزكاة تفريقها ثبت فيها حينئذ سهم العاملين عليها ليكون مصروفا إلى العامل وأعوانه فيها ؛ وإذا كان كذلك وجب أن يوصف
nindex.php?page=treesubj&link=3246من يجوز أن يكون عاملا فيها بها في القبض والتفرقة وهو من تكاملت فيه ست خصال :
إحداها : البلوغ : لأن الصغر لا يصح معه قبض ولا تقبيض .
والثانية : العقل الذي يصح التمييز به .
والثالثة : الحرية .
والرابعة : الإسلام : لأن الكفر يمنع من الولاية على مسلم لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء [ الممتحنة : آية 1 ] وقدم
أبو موسى الأشعري من
البصرة على
عمر بحساب استحسبه
عمر ، فقال : من عمل هذا ؟ فقال : كاتبي ، فقال : أين هو ؟ قال : هو على باب المسجد ، قال : أجنب هو ؟ قال : لا ولكنه ذمي ، فأمره بعزله وقال : لا تأمنوهم إذ خونهم الله تعالى ولا تقربوهم إذ بعدهم الله .
[ ص: 495 ] والخامس : الأمانة : لأنها بيانه ليقصد بها حفظ المال على غير المستنيب ، فأشبه ولي اليتيم الذي إن خيفت خيانته سقطت ولايته .
والسادسة : الفقه بأحكام الزكوات فيما تجب فيه من الأموال وما لا تجب ، وفي مقاديرها وقدر الحق فيها وأوصاف مستحقيها ومبلغ استحقاقهم منها لئلا يكون جاهلا بما هو موكول إلى نظره ، فلا يصح تقليده كالحاكم إذا كان جاهلا ، وليس يلزم من عامل الصدقة أن يكون فقيها في جميع الأحكام : لأن ولاية الحاكم جامعة فاحتاج أن يكون عالما بجميع الأحكام ، وولاية عامل الصدقات مخصوصة ، فلا يحتاج إلى أن يكون عالما ، يعني : أحكامها ، فإذا تكاملت فيه هذه الخصال الستة جاز أن يكون عاملا عليها ، وسواء كان رجلا أو امرأة ، وإن كرهنا تقليد النساء لذلك لما عليهن من لزوم الخفر : لأن
nindex.php?page=treesubj&link=3246المرأة لما جاز أن تلي أموال الأيتام جاز أن تلي أموال الصدقات ، فأما
أعوان العامل من كتابه وحسابه وجباته ومستوفيه فأجورهم من سهم العاملين لعملهم فيها ، ولا يلزم اعتبار الحرية والفقه فيهم ، لأنهم خدم فيها مأمورون ويلزم اعتبار الخصال الأربعة من البلوغ والفضل والإسلام والأمانة .
وأما الرعاة والحفظة لها بعد قبضها ففي أجورهم وجهان :
أحدهما : أنها من سهم العاملين عليها .
والثاني : من أصل الصدقات ، فأما أجرة الحمالين والنقالين فإن كانت عند أخذ ذلك من أرباب الأموال ففيها وجهان : كالرعاة والحفظة ، وإن كانت لحملها لأهل الصدقات فأجورهم في أموال الصدقات وجها واحدا .
وأما أجور الكيالين والوزانين والعدادين فعلى وجهين :
أحدهما وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة : إنها على أرباب الأموال : لأن ذلك من حقوق التسليم والتمكين فأشبه أجرة الكيال والوزان في المبيع ، يختص بها البائع دون المشتري .
والوجه الثاني وهو قول
أبي إسحاق المروزي إنها في سهم العاملين ، والفرق بين هذا وبين البيع أن البيع مكيل في حق البائع وهذا مكيل في حق أهل السهمان ، فصار ما يلزم من أجور العمل في أموال الصدقات تنقسم أربعة أقسام :
أحدها : ما كان في سهم العاملين من الصدقات وهو العامل وأعوانه .
والثاني : ما كان في أموال الصدقات من غير سهم العاملين ، وهو أجور الحمالين والنقالين إلى أهل الصدقات .
والثالث : ما كان على أرباب الأموال في أحد الوجهين ومن سهم العاملين في الوجه الثاني وهو أجرة الكيال والوزان .
والقسم الرابع : ما اختلف أصحابنا فيه وهو أجرة الرعاة والحفظة ، فأحد الوجهين أنه من سهم العاملين .
[ ص: 496 ] والثاني : من مال الصدقات .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا ، مَنْ وَلَّاهُ الْوَالِي قَبْضَهَا وَمَنْ لَا غِنَى لِلْوَالِي عَنْ مَعُونَتِهِ عَلَيْهَا وَأَمَّا الْخَلِيفَةُ وَوَالِي الْإِقْلِيمِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَا يَلِي قَبْضَ الصَّدَقَةِ ، وَإِنْ كَانَا مِنَ الْقَائِمِينَ بِالْأَمْرِ بِأَخْذِهَا ، فَلَيْسَا عِنْدَنَا مِمَّنْ لَهُ فِيهَا حَقٌّ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَلِيَانِ أَخْذَهَا . وَشَرِبَ
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَبَنًا فَأَعْجَبَهُ فَأُخْبِرَ أَنَّهُ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ فَأَدْخَلَ إِصْبَعَهُ فَاسْتَقَاءَهُ . ( قَالَ ) وَيُعْطَى الْعَامِلُ بِقَدْرِ غَنَائِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا : لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ عَلَى مَعْنَى الْإِحَازَةِ " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ
سَهْمَ الْعَامِلِينَ عَلَى الصَّدَقَاتِ ثَابِتٌ إِذَا تَوَلَّوْا قَبْضَهَا وَتَفْرِيقَهَا وَسَاقِطٌ مِنْهَا إِذَا تَوَلَّى رَبُّ الْمَالِ بِنَفْسِهِ ، فَإِنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ الْمُتَوَلِّي لِتَفْرِيقِ زَكَاتِهِ أَنَا آَخُذُ سَهْمَ الْعَامِلِينَ لِنَفْسِي لِلْقِيَامِ بِالْعَمَلِ فِي التَّفْرِقَةِ مَقَامَ الْعَامِلِينَ لَمْ يَجُزْ : لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3246الْعَامِلَ مَنْ وَلَّاهُ الْإِمَامُ قَبْضَهَا وَتَفْرِيقَهَا نِيَابَةً عَنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ ، وَرَبُّ الْمَالِ إِنَّمَا هُوَ نَائِبٌ عَنْ نَفْسِهِ : لِأَنَّهُ لَا
[ ص: 494 ] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَكِيلًا عَلَيْهَا لِغَيْرِهِ ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا لَمْ يَخْلُ حَالُ
nindex.php?page=treesubj&link=3088رَبِّ الْمَالِ إِذَا دَفَعَ زَكَاةَ مَالِهِ إِلَى الْوَالِي مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي هُوَ الْخَلِيفَةُ عَلَى الْأَمْرِ .
وَالثَّانِي : أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى وَالِي الْإِقْلِيمِ النَّاظِرِ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ .
وَالثَّالِثُ : أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَى الْعَامِلِ الَّذِي وَلَّاهُ الْإِمَامُ قَبْضَهَا وَجَعَلَ نَظَرَهُ مَقْصُورًا عَلَيْهَا ، فَإِنْ تَوَلَّاهُ الْإِمَامُ سَقَطَ مِنْهَا سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا : لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِمَامِ عَامَّةٌ قَدْ أَخَذَ رِزْقَهُ عَلَيْهَا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ، فَلَمْ يُجْمَعْ لَهُ بَيْنَ رِزْقَيْنِ عَلَى عَمَلٍ وَاحِدٍ ، وَلِمَا رَوَى
الشَّافِعِيُّ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ
زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا ؟ فَقَالَ مَرَرْتُ بِلِقَاحِ الصَّدَقَةِ فَأَعْطَوْنِيهِ فَجَعَلْتُهُ فِي سِقَائِي ، فَاسْتَقَاءَهُ
عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَالُ الصَّدَقَةِ ؛ وَلِذَلِكَ لَمْ يَسْتَبْقِهِ فِي جَوْفِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا تَأْثِيرُ اسْتِقَائِهِ بَعْدَ اسْتِهْلَاكِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=18613وَمَنْ أَكَلَ حَرَامًا لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَسْتَقِيئَهُ ؟
قِيلَ فِي اسْتِقَائِهِ لِذَلِكَ ثَلَاثَةُ أُمُورٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ يَعْلَمَ النَّاسُ تَحْرِيمَ الصَّدَقَاتِ عَلَى الْإِمَامِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ مَنْ أَخَذَ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ مِنْ مَغْصُوبٍ وَغَيْرِهِ فَتَغَيَّرَ فِي يَدِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ ، بِخِلَافِ مَا قَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ .
وَالثَّالِثُ : لِئَلَّا يَسْتَدِيمَ الِاغْتِذَاءُ وَالِانْتِفَاعُ بِحَرَامٍ ، وَهَكَذَا لَوْ تَوَلَّى قَبْضَ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقَهَا وَالِي الْإِقْلِيمِ سَقَطَ مِنْهَا سَهْمُ الْعَامِلِينَ : لِأَنَّهُمْ فِي عُمُومِ وِلَايَتِهِ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْلِيمِ الَّذِي قَدِ ارْتَزَقَ عَلَى عَمَلِهِ فِيهِ جَارٍ مَجْرَى الْإِمَامِ .
فَأَمَّا إِذَا اخْتَصَّ لِعَامِلٍ بِقَبْضِ الزَّكَاةِ تَفْرِيقَهَا ثَبَتَ فِيهَا حِينَئِذٍ سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا لِيَكُونَ مَصْرُوفًا إِلَى الْعَامِلِ وَأَعْوَانِهِ فِيهَا ؛ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يُوصَفَ
nindex.php?page=treesubj&link=3246مَنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا فِيهَا بِهَا فِي الْقَبْضِ وَالتَّفْرِقَةِ وَهُوَ مَنْ تَكَامَلَتْ فِيهِ سِتُّ خِصَالٍ :
إِحْدَاهَا : الْبُلُوغُ : لِأَنَّ الصِّغَرَ لَا يَصِحُّ مَعَهُ قَبْضٌ وَلَا تَقْبِيضٌ .
وَالثَّانِيَةُ : الْعَقْلُ الَّذِي يَصِحُّ التَّمْيِيزُ بِهِ .
وَالثَّالِثَةُ : الْحُرِّيَّةُ .
وَالرَّابِعَةُ : الْإِسْلَامُ : لِأَنَّ الْكُفْرَ يَمْنَعُ مِنَ الْوِلَايَةِ عَلَى مُسْلِمٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=1لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ [ الْمُمْتَحِنَةِ : آيَةَ 1 ] وَقَدِمَ
أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ مِنَ
الْبَصْرَةِ عَلَى
عُمَرَ بِحِسَابٍ اسْتَحْسَبَهُ
عُمَرُ ، فَقَالَ : مَنْ عَمِلَ هَذَا ؟ فَقَالَ : كَاتِبِي ، فَقَالَ : أَيْنَ هُوَ ؟ قَالَ : هُوَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ، قَالَ : أَجُنُبٌ هُوَ ؟ قَالَ : لَا وَلَكِنَّهُ ذِمِّيٌّ ، فَأَمَرَهُ بِعَزْلِهِ وَقَالَ : لَا تَأْمَنُوهُمْ إِذْ خَوَّنَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تُقَرِّبُوهُمْ إِذْ بَعَّدَهُمُ اللَّهُ .
[ ص: 495 ] وَالْخَامِسُ : الْأَمَانَةُ : لِأَنَّهَا بَيَانُهُ لِيُقْصَدَ بِهَا حِفْظُ الْمَالِ عَلَى غَيْرِ الْمُسْتَنِيبِ ، فَأَشْبَهَ وَلِيَّ الْيَتِيمِ الَّذِي إِنْ خِيفَتْ خِيَانَتُهُ سَقَطَتْ وِلَايَتُهُ .
وَالسَّادِسَةُ : الْفِقْهُ بِأَحْكَامِ الزَّكَوَاتِ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ مِنَ الْأَمْوَالِ وَمَا لَا تَجِبُ ، وَفِي مَقَادِيرِهَا وَقَدْرِ الْحَقِّ فِيهَا وَأَوْصَافِ مُسْتَحِقِّيهَا وَمَبْلَغِ اسْتِحْقَاقِهِمْ مِنْهَا لِئَلَّا يَكُونَ جَاهِلًا بِمَا هُوَ مَوْكُولٌ إِلَى نَظَرِهِ ، فَلَا يَصِحُّ تَقْلِيدُهُ كَالْحَاكِمِ إِذَا كَانَ جَاهِلًا ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مِنْ عَامِلِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَكُونَ فَقِيهًا فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ : لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحَاكِمِ جَامِعَةٌ فَاحْتَاجَ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ ، وَوِلَايَةُ عَامِلِ الصَّدَقَاتِ مَخْصُوصَةٌ ، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَكُونَ عَالِمًا ، يَعْنِي : أَحْكَامَهَا ، فَإِذَا تَكَامَلَتْ فِيهِ هَذِهِ الْخِصَالُ السِّتَّةُ جَازَ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا عَلَيْهَا ، وَسَوَاءً كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً ، وَإِنْ كَرِهْنَا تَقْلِيدَ النِّسَاءِ لِذَلِكَ لِمَا عَلَيْهِنَّ مِنْ لُزُومِ الْخَفَرِ : لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3246الْمَرْأَةَ لَمَّا جَازَ أَنْ تَلِيَ أَمْوَالَ الْأَيْتَامِ جَازَ أَنْ تَلِيَ أَمْوَالَ الصَّدَقَاتِ ، فَأَمَّا
أَعْوَانُ الْعَامِلِ مِنْ كُتَّابِهِ وُحسَّابِهِ وَجُبَاتِهِ وَمُسْتَوْفِيهِ فَأُجُورُهُمْ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ لِعَمَلِهِمْ فِيهَا ، وَلَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْحُرِّيَّةِ وَالْفِقْهِ فِيهِمْ ، لِأَنَّهُمْ خَدَمٌ فِيهَا مَأْمُورُونَ وَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ الْخِصَالِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْبُلُوغِ وَالْفَضْلِ وَالْإِسْلَامِ وَالْأَمَانَةِ .
وَأَمَّا الرُّعَاةُ وَالْحَفَظَةُ لَهَا بَعْدَ قَبْضِهَا فَفِي أُجُورِهِمْ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّهَا مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا .
وَالثَّانِي : مِنْ أَصْلِ الصَّدَقَاتِ ، فَأَمَّا أُجْرَةُ الْحَمَّالِينَ والنَّقَّالِينَ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ أَخْذِ ذَلِكَ مِنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَفِيهَا وَجْهَانِ : كَالرُّعَاةِ وَالْحَفَظَةِ ، وَإِنْ كَانَتْ لِحَمْلِهَا لِأَهْلِ الصَّدَقَاتِ فَأُجُورُهُمْ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ وَجْهًا وَاحِدًا .
وَأَمَّا أُجُورُ الْكَيَّالِينَ وَالْوَزَّانِينَ وَالْعَدَّادِينَ فَعَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ : إِنَّهَا عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ : لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ حُقُوقِ التَّسْلِيمِ وَالتَّمْكِينِ فَأَشْبَهَ أُجْرَةَ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ فِي الْمَبِيعِ ، يَخْتَصُّ بِهَا الْبَائِعُ دُونَ الْمُشْتَرِي .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ
أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ إِنَّهَا فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَيْعِ أَنَّ الْبَيْعَ مَكِيلٌ فِي حَقِّ الْبَائِعِ وَهَذَا مَكِيلٌ فِي حَقِّ أَهْلِ السُّهْمَانِ ، فَصَارَ مَا يَلْزَمُ مِنْ أُجُورِ الْعَمَلِ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ :
أَحَدُهَا : مَا كَانَ فِي سَهْمِ الْعَامِلِينَ مِنَ الصَّدَقَاتِ وَهُوَ الْعَامِلُ وَأَعْوَانُهُ .
وَالثَّانِي : مَا كَانَ فِي أَمْوَالِ الصَّدَقَاتِ مِنْ غَيْرِ سَهْمِ الْعَامِلِينَ ، وَهُوَ أُجُورُ الْحَمَّالِينَ وَالنَّقَّالِينَ إِلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ .
وَالثَّالِثُ : مَا كَانَ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَمِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ أُجْرَةُ الْكَيَّالِ وَالْوَزَّانِ .
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ : مَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ وَهُوَ أُجْرَةُ الرُّعَاةِ وَالْحَفَظَةِ ، فَأَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِينَ .
[ ص: 496 ] وَالثَّانِي : مِنْ مَالِ الصَّدَقَاتِ .