الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما استعمال ذوي القربى على الصدقات ، فإن تطوعوا بالعمل من غير أجر جاز وسقط من تلك الصدقة التي عملوا فيها سهم العاملين عليها ، كما يجوز للإمام أن يتولاها ، وإن كان من ذوي القربى : لأنه يأخذ منها ويسقط سهم العاملين منها ، وإن أراد العامل من ذوي القربى أن يعمل عليها ويأخذ سهم عمله منها ففي جوازه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                            [ ص: 497 ] أحدها : يجوز لأنها معاوضة لا يراعى فيها الفقراء فلم يراع فيها النسب ، ولأنه لما جاز أن يفاضلوا على عملهم فيها ما يلزم رب المال من أجرة الكيل والوزن وما يلزم أهل الصدقات من أجرة الحفظ والنقل ، جاز أن يفاضلوا عليه بما يلزم في مال الصدقات من سهم العاملين .

                                                                                                                                            والوجه الثاني وهو الظاهر من مذهب الشافعي أنه لا يجوز تحريم الصدقات عليهم ، روي أن الفضل بن العباس والمطلب بن ربيعة أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألاه عمالة الصدقة فقال : إن الصدقة من أوساخ الناس لا يحل لمحمد وآل محمد منها شيء .

                                                                                                                                            وروي عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : إنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة ، ولأن الله تعالى جعل سهمهم من خمس الخمس من الفيء والغنيمة عوضا عن مال الصدقة .

                                                                                                                                            والوجه الثالث : وهو قول أبي سعيد الإصطخري : إن كانوا يعطون سهمهم من الخمس لم يجز وإن كانوا لا يعطون جاز : لئلا يجمعوا بين مالين إن أعطوا ، لا يحرموا المالين إن منعوا ، فأما مولى ذوي القربى فقد اختلف أصحابنا فيهم على وجهين :

                                                                                                                                            أحدهما : أنهم كذوي القربى في تحريم الصدقات عليهم لرواية أبي رافع مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استعمل على الصدقة رجلا من بني مخزوم فقلت له : أثبت لي سهما منها ، فقال حتى أستأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسأله عن ذلك فقال : إن مولى القوم منهم ، وإنا أهل بيت لا تحل لنا الصدقة .

                                                                                                                                            والوجه الثاني : أنها لا تحرم عليهم ، ويجوز أن يكون المولى منهم عاملا عليها : لأن تحريمه على ذوي القربى لأمرين تفردوا بهما عن مواليهم :

                                                                                                                                            أحدهما : شرف نسبهم الذي فضلوا به .

                                                                                                                                            والثاني : سهمهم من الخمس الذي تفردوا به .

                                                                                                                                            فوجب أن يختصوا بتحريم الصدقات دون مواليهم ، والله أعلم .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية