الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : وأما المسلمون من المؤلفة فضربان :

                                                                                                                                            مقضرب لم يختلف قوله في جواز تألفهم .

                                                                                                                                            وأما الضرب الذي اختلف قوله في جواز تألفهم وحملهم فيه على حكم المشركين فضربان :

                                                                                                                                            أحدهما : الأشراف المطاعون وقد حسنت في الإسلام نياتهم ، لكن في إعطائهم تألف لقومهم وترغيب لأكفائهم ونظرائهم كالزبرقان بن بدر وعدي بن حاتم ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعطاهما تألفا لقومهما وترغيبا لنظرائهما .

                                                                                                                                            والضرب الثاني : أشراف مطاعون قد أسلموا بنيات ضعيفة ، إن أعطوا قويت نياتهم وحسن إسلامهم وإن منعوا ربما أفضى بهم ضعف النية إلى الردة ، فقد أعطى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمثال هؤلاء مثل عيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي ، فإنه تألف كل واحد منهما بمائة بعير وترك العباس بن مرداس السلمي فلم يعطه ثقة بحسن إسلامه ، كما ترك الأنصار وقصر به على مهاجرة الفتح حتى استعتب العباس بن مرداس فيما أنشده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شعره حيث يقول :


                                                                                                                                            كانت نهابا تلافيتها وكري على القوم بالأجرع     وحثي الجنود لكي يدلجوا
                                                                                                                                            إذا هجع القوم لم أهجع     أتجعل نهبي ونهب العبيـ
                                                                                                                                            ـد بين عيينة والأقرع



                                                                                                                                            [ ص: 501 ] الأبيات إلى آخرها .

                                                                                                                                            فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فأعطي مائة بعير فاحتمل إعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك له أحد أمرين ذكرهما الشافعي :

                                                                                                                                            أحدهما : أن يكون قد ظن به حسن النية في الإسلام فمنعه ، ثم بان منه ضعف النية فتألفه .

                                                                                                                                            والثاني : أن يكون على حسن نيته ، لكن خشي نقص الرتبة وحظ المنزلة فأحب المساواة بينه وبين أكفائه فأعطاه مع حسن إسلامه ، وهذا أشبه الأمرين بشعره ، فهذان الضربان من مؤلفة المسلمين قد تألفهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حياته وفي جواز تألفهم الآن بعد وفاته قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : يجوز اقتداء به - صلى الله عليه وسلم - مع عموم قوله تعالى : والمؤلفة قلوبهم [ التوبة : 160 ] ، ولأن أبا بكر - رضي الله عنه - لما أتاه عدي بن حاتم الطائي بثلاثمائة بعير من صدقات قومه أعطاه منها ثلاثين بعيرا ليتألف بها قومه وأمره أن يلحق بخالد بن الوليد فيمن أطاعه من قومه ، فلحق به في زهاء ألف رجل وأبلى بلاء حسنا .

                                                                                                                                            والقول الثاني : لا يجوز أن يتألفوا : لأن الله تعالى قد أعز الإسلام وأهله بالقوة والكثرة عن أن يتألف فيه أحد ، ولأن عمر وعثمان وعليا - رضي الله عنهم - ما تألفوا من مال الصدقات أحدا ، وقد روى حسان بن عطية أن عيينة بن حصن أتى عمر فسأله شيئا فلم يعطه فقال : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر [ الكهف : 29 ] ، فإن قيل : لا يعطى الكفار ، فلا مقال وإذا قيل يعطون تألفا لقلوبهم ، فعن المال الذي يتألفون منه قولان :

                                                                                                                                            أحدهما : هو سهم المؤلفة من الصدقات ، فإن النص على سهمهم منها ، ولأن أبا بكر أعطى عدي بن حاتم ثلاثين بعيرا من صدقات قومه .

                                                                                                                                            والقول الثاني : أنهم يعطون من مال المصالح وهو خمس الخمس من الفيء والغنيمة لأنهم من جملتها ويعطون ذلك مع الغناء والفقر .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية