الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
قال : ( وكل شيء اشتراه من الثمار على رأس الشجر بصنف من غيره يدا بيد فلا بأس به وشراء الثمار قبل أن تصير منتفعا بها لا يجوز ) لأنه إذا كان بحيث لا يصلح لتناول بني آدم أو علف الدواب فهو ليس بمال متقوم فإن صار منتفعا به ولكن لم يبد صلاحه بعد بأن كان لا يأمن العاهة والفساد عليه فاشتراه بشرط القطع يجوز وإن اشتراه بشرط الترك لا يجوز وإن اشتراه مطلقا يجوز عندنا لأن مطلق العقد يقتضي تسليم المعقود عليه في الحال فهو وشرط القطع سواء وعند الشافعي لا يجوز هذا العقد { لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها } أو قال : حتى يزهى أو قال : حتى تؤمن العاهة وتأويله عندنا في البيع بشرط الترك بدليل قوله أرأيت لو أذهب الله تعالى الثمرة بما يستحل أحدكم مال أخيه المسلم وإنما يتوهم هذا إذا اشترى بشرط الترك إلى أن يبدو صلاحها أما إذا اشتراها بعد ما بدا صلاحها إلا أنها لم تدرك بعد شرط القطع [ ص: 196 ] يجوز وكذلك مطلقا ويؤمر بأن يقطعها في الحال بمقتضى مطلق العقد

وعند الشافعي رحمه الله يتركها إلى وقت الإدراك لأنه هو المتعارف بين الناس ولو اشتراها بشرط الترك فالعقد فاسد عندنا جائز عند الشافعي رحمه الله لأنه متعارف بين الناس ومن الشرائط في العقود ما يجوز العرف كما إذا اشترى نعلا وشراكين بشرط أن يحذوها البائع ولكنا نقول إن كان بمقابلة منفعة الترك شيء من البدل فهذه إجارة مشروطة في البيع وإن لم يكن فهي إعارة مشروطة في البيع وقد ورد الشرع بالنهي عن ذلك حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة وعن بيع وشرط وعن بيع وسلف وكل عرف ورد النص بخلافه فهو غير معتبر ثم إن الثمار على رءوس الأشجار تزداد وهذه الزيادة تحدث من ملك البائع بعد البيع فكأنه ضم المعدوم إلى الموجود واشتراهما فكان باطلا وفصل النعل مستحسن من القياس ولا يتمكن في ذلك الشرط شراء المعدوم فأما إذا تناهى عظم الثمار وصار بحيث لا يزداد ذلك ولكن لم ينضج فإن اشتراه بشرط القطع أو مطلقا يجوز وإن اشتراه بشرط الترك ففي القياس العقد فاسد وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله لما قلنا وجوز محمد العقد في هذا الفصل استحسانا لأنه شرط متعارف ومدة الترك يسيرة وقد يتحمل اليسير فيما لا يتحمل فيه الكثير مع أنه لا يؤخذ للزيادة من ملك البائع بعد هذا ولكن الشمس تنضجه بتقدير الله ويأخذ اللون من القمر بتقدير الله والطعم من الكواكب بتقدير الله فلم يبق فيه إلا عمل الشمس والقمر والكواكب فلهذا قال محمد استحسن أن أجوزه بخلاف ما قبل أن يتناهى عظمه فإن اشتراه مطلقا ثم تركه إلى وقت الإدراك فهو على قياس ما قدمنا من التفصيل في الفصل إلا في فصلين ( أحدهما ) أن هناك لو استأجر الأرض مدة معلومة يجوز وهنا لو استأجر الأشجار مدة معلومة لا يجوز بحال لأن استئجار الأرض بالدراهم صحيح واستئجار الأشجار لا يجوز بحال

( والثاني ) أن هناك لو استأجر الأرض إلى وقت الإدراك يلزمه أجر المثل ولا يطيب له الفضل وهنا لا يلزمه شيء من الأجر ويطيب له الفضل لأن استئجار الأشجار لا يجوز له بحال فلا ينعقد العقد عليهما فاسدا أيضا وبدون انعقاد العقد لا يجب الأجر وإذا صار العقد لغوا بقي مجرد الإذن والترك متى كان بإذن البائع فالفضل يطيب له ولم يذكر فصلا آخر في الكتاب وهو ما إذا صار بعض الثمار منتفعا به ولم يخرج البعض بعد أو لم يصر منتفعا به ولم يخرج البعض أو لم يصر منتفعا به [ ص: 197 ] كالتين ونحوه فاشترى الكل فظاهر المذهب أن هذا العقد لا يجوز عندنا خلافا لمالك فإنه يقول وجود صفة المالية والتقوم في شيء مما هو المقصود يجعل كوجوده في الكل للحاجة إلى ذلك كما أن في باب الإجارة يجعل وجود جزء من المنفعة كوجود الكل في حق جواز العقد أو يجعل ما خرج أصلا وما لم يخرج منه جعل تبعا له في حق جواز العقد لتعامل الناس ولكنا نقول جمع في العقد بين المعدوم والموجود والمعدوم لا يقبل البيع وحصة الموجود من البدل غير معلوم فلا يجوز العقد وجعل المعدوم حقيقة موجودا حكما للضرورة وذلك فيما لا يقبل العقد بعد الوجود حقيقة فأما الثمار تقبل العقد بعد الوجود قال : رضي الله عنه وكان شيخنا الإمام شمس الأئمة يفتي بجواز هذا البيع في الثمار والباذنجان والبطيخ وغير ذلك وهكذا حكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل قال : أجعل الموجود أصلا في العقد وما يحدث بعد ذلك تبعا قال : أستحسن فيه لتعامل الناس فإنهم تعاملوا ببيع ثمار الكرم بهذه الصفة ولهم في ذلك عادة ظاهرة وفي نزع الناس عن عادتهم حرج بين قال : وقد رأيت رواية في هذا عن محمد وهو في بيع الورد على الأشجار فإن الورد مثلا حق ثم جوز البيع في الكل مطلقا بهذا الطريق

قال : الشيخ الإمام ولكن الأول عندي أصح لأن المصير إلى هذا الطريق عند تحقق الضرورة ولا ضرورة في الباذنجان والبطيخ فإنه يمكنه أن يبيع أصولها حتى يكون ما يحدث من ملك المشتري له وفي الثمار كذلك فإنه يمكنه أن يشتري الموجود المنتفع به ببعض الثمن ثم يؤخر العقد فيما بقي إلى أن يصير منتفعا به أو يشتري الموجود بجميع الثمن ويحل للبائع أن ينتفع بما يحدث فيحصل مقصودهما بهذا الطريق

التالي السابق


الخدمات العلمية