الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( فرع ) مات مدين فسأل وارثه دائنه أن يبرئه ويكون ضامنا لما عليه فأبرأه على ظن صحة الضمان وأن الدين انتقل إلى ذمة الضامن لم يصح الإبراء لأنه بناه على ظن انتقاله للضامن ولم ينتقل إليه [ ص: 257 ] لأن الضمان بشرط براءة الأصيل باطل ودليل بطلان الإبراء قول الأم وتبعوه لو صالحه من ألف على خمسمائة صلح إنكار ثم أبرأه من خمسمائة ظانا صحة الصلح لم يصح الإبراء عن الخمسمائة التي أبرأ منها وقولهم لو أتى المكاتب لسيده بالنجوم فأخذها منه وقال له اذهب فأنت حر ثم خرج المال مستحقا بأن عدم عتقه لأنه إنما أعتقه بظن سلامة العوض وقولهم لو أتى بالبيع المشروط في بيع على ظن صحة الشرط بطل أو مع علمه بفساده صح ولا ينافيه صحة الرهن بظن الوجوب لما مر في المناهي ولما ذكر البلقيني ذلك .

                                                                                                                              قال وهذا يدل على أن باني الأمر في نحو ذلك على ما اعتقده مخالفا لما في الباطن لا يؤاخذ به وتزييف الإمام لقول القاضي الموافق لذلك مزيف ا هـ .

                                                                                                                              ويؤخذ من قوله في نحو ذلك أنه لا بد في تصديقه من قرينة تقضي بصدق ما ادعاه من الظن ووقع لجمع مفتين وغيرهم اعتماد خلاف بعض ما قررناه فاحذره ولو أبرأه في الدنيا دون الآخرة برئ فيهما لأن أحكام الآخرة مبنية على الدنيا ويؤخذ منه أن مثله عكسه إلا أن يقال إنه إبراء معلق لكن مر صحة تعليقه بالموت فيمكن أن يقال هذا مثله ولو قال أبرأتك مما لي عليك وله عليه دين أصلي ودين ضمان برئ منهما .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله فرع مات مدين إلخ ) جميع ما ذكره في هذا الفرع تبعه فيه م ر في شرحه مسألة في فتاوى السيوطي رجل نزل لآخر عن إقطاع والتزم له أنه إذا صار اسمه في الديوان أعطاه بعضها وأبرأه من الباقي فهل يصح هذا الالتزام إن كان بطريق النذر كما هو العادة الآن فالذي يظهر لي أنه لا تصح البراءة ولو تراضيا لأن النذر لا تصح البراءة منه لما فيه من حق الله تعالى كالزكاة والكفارة ويحتمل الصحة لأن الحق فيه لمعين بخلاف سائر النذور والزكاة والكفارة والأول أظهر كما لو انحصرت صفة الاستحقاق في معين فإنه لا تصح البراءة منه [ ص: 257 ] وأما إن كان هذا الالتزام لا بطريق النذر بل في مقابلة النزول وقلنا بصحة ذلك كما استنبطه السبكي من خلع الأجنبي فإن البراءة منه تصح كمال الخلع ا هـ وسيأتي في باب النذر جزم الشارح بصحة إبراء المنذور له الناذر مما في ذمته حيث ساغ له المطالبة به وفي باب قسم الصدقات عدم صحة إبراء المستحق المنحصر في ثلاثة فأقل وقت لوجوب لأن الزكاة يغلب عليها التعبد ( قوله فأنت حر ) ظاهره وإن قصد به الإنشاء فراجعه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله فرع مات مدين إلخ ) جميع ما ذكره في هذا الفرع تبعه [ ص: 257 ] فيه م ر في شرحه ا هـ سم ( قوله لأن الضمان بشرط براءة الأصيل إلخ ) يؤخذ من تعليله أن الكلام مفروض في نحو قوله ضمنت ما عليه بشرط إبرائه بخلاف نحو أبرئه وأنا ضامن لما عليه إذ ليس فيه تقييد الضمان بالبراءة فليتأمل ا هـ سيد عمر أقول في كل من الأخذ والمأخوذ نظر ظاهر بل مخالف لمفاد كلام الشارح كما يظهر بأدنى تأمل ( قوله وقولهم لو أتى المكاتب إلخ ) ثم قوله وقولهم لو أتى بالبيع إلخ عطف على قول الأم ( قوله فأنت حر ) ظاهره وإن قصد به الإنشاء فراجعه ا هـ سم .

                                                                                                                              أقول التعليل الآتي وما بعده كالصريح في ذلك ( قوله بطل ) أي البيع المشروط ( قوله أو مع علمه إلخ ) عطف على قوله على ظن إلخ ( قوله بفساده ) أي الشرط ( قوله ولا ينافيه ) أي قولهم لو أتى بالبيع المشروط إلخ وكذا الإشارة في قوله ذلك وقوله وهذا وقوله نحو ذلك وقوله لذلك ( قوله لما مر إلخ ) أي من قوله م ر لوجود مقتضيه ا هـ .

                                                                                                                              والمراد بمقتضيه وجود الدين ا هـ ع ش ( قوله قال وهذا إلخ ) جواب لما ( قوله مخالفا إلخ ) حال من ما اعتقده ( قوله ويؤخذ منه إلخ ) معتمد ا هـ ع ش وقال السيد عمر قد يفرق بأنه إذا أسقط الدين في الدنيا لزم إسقاطه في الآخرة لأنه إنما يطالب فيها بما استحقه في الدنيا وهذا معنى قولهم لأن أحكام إلخ بخلاف العكس فإن معناه أسقطت منك المطالبة في الآخرة إن مت من غير وفاء وأما في الدنيا فلا أسقط المطالبة عنك بل أنا مطالب لك فيها والحاصل أن التعليل والاقتصار في التصوير مشعر أن بالفرق في نظرهم أي إشعار فتأمله بعين الإنصاف متجنبا للاعتساف ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله لكن مر إلخ ) أي في شرح والإبراء إلخ ( قوله فيمكن أن يقال إلخ ) وهو الظاهر كما مر عن السيد عمر خلافا لما مر عن ع ش ( قوله برئ منهما ) أي فلو قال أردت الإبراء من دين الضمان دون الثمن لم يقبل ظاهرا ما لم تدل قرينة على ذلك ا هـ ع ش




                                                                                                                              الخدمات العلمية