الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( فإن أعتقها ، أو باعها بعد اعترافه بوطئها ، فأتت بولد لدون ستة أشهر : فهو ولده ) بلا نزاع ( والبيع باطل ) . [ ص: 266 ]

قوله ( وكذلك إن ) ( لم يستبرئها فأتت بولد لأكثر من ستة أشهر فادعى المشتري أنه منه ) . أي من البائع . فهو ولد البائع ، سواء ادعاه البائع ، أو لم يدعه . وهذا بلا نزاع . لكن لو ادعاه المشتري ، فقيل : يلحقه . جزم به في المغني ، والشرح . وقيل : يرى القافة . نقله صالح ، وحنبل . قلت : وهو الصواب . وجزم به في المحرر ، والرعايتين ، والحاوي الصغير ، والنظم . وأطلقهما في الفروع . ونقل الفضل : هو له . قلت : في نفسه منه شيء ؟ قال : فالقافة . وأما إذا ادعى كل واحد منهما أنه للآخر ، والمشتري مقر بالوطء ، فقيل : يكون للبائع . وهو ظاهر كلامه في الوجيز . وقيل : يرى القافة . جزم به في المغني . ذكره قبيل قول الخرقي " وتجتنب الزوجة المتوفى عنها زوجها الطيب " وأطلقهما في الفروع .

قوله ( وإن استبرئت ، ثم أتت بولد لأكثر من ستة أشهر : لم يلحقه نسبه ، وكذا إن لم تستبرأ ، ولم يقر المشترى له به ) بلا نزاع . وإن ادعاه بعد ذلك ، وصدق المشتري : لحقه نسبه . وبطل البيع .

قوله ( فأما إن لم يكن البائع أقر بوطئها قبل بيعها : لم يلحقه الولد بحال ، إلا أن يتفقا عليه ، فيلحقه نسبه ) هذا المذهب . قال في المحرر ، والرعاية الصغرى ، والحاوي الصغير : ولو لم يكن أقر بوطئها حتى باع : لم يلحقه الولد بحال ، إلا أن يدعيه ويصدقه المشتري . [ ص: 267 ] وقيل : يلحقه نسبه بدعواه في المسألتين . وهو ملك المشتري إن لم يدعه . وكذا ذكروا ذلك في آخر باب الاستبراء .

قوله ( وإن ادعاه البائع ، فلم يصدقه المشتري : فهو عبد للمشتري ) هذا المذهب . وظاهر كلام المصنف : أنه يكون عبدا للمشتري مع عدم لحوق النسب بالبائع ، وهو أحد الوجهين ، إن لم يدعه المشتري ولدا له .

والوجه الثاني وهو الذي ذكره المصنف احتمالا أن يلحقه نسبه مع كونه عبدا للمشتري . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمغني ، والشرح . قال الشيخ تقي الدين رحمه الله فيما إذا ادعى البائع : أنه ما باع حتى استبرأ وحلف المشتري : أنه ما وطئها فقال : إن أتت به بعد الاستبراء لأكثر من ستة أشهر . فقيل : لا يقبل قوله : ويلحقه النسب . قاله القاضي في تعليقه . وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله . وقيل : ينتفي النسب . اختاره القاضي في المجرد ، وأبو الخطاب ، وابن عقيل ، وغيرهم . فعلى هذا : هل يحتاج إلى اليمين على الاستبراء ؟ فيه وجهان . المشهور : لا يحلف . انتهى كلام الشيخ تقي الدين رحمه الله . فوائد

منها : يلحقه الولد بوطء الشبهة كعقد . نص عليه . وهو المذهب . قدمه في المغني ، والشرح ، والفروع ، وغيرهم . قال المصنف ، والشارح : هذا المذهب . [ ص: 268 ] وذكره الشيخ تقي الدين رحمه الله إجماعا . وقال أبو بكر : لا يلحقه . قال القاضي : وجدت بخط أبي بكر : لا يلحق به . لأن النسب لا يلحق إلا في نكاح صحيح أو فاسد ، أو ملك أو شبهة ، ولم يوجد شيء من ذلك . وذكره ابن عقيل رواية . وفي كل نكاح فاسد فيه شبهة . نقله الجماعة . وقيل إذا لم يعتقد فساده . وفي كونه كصحيح ، أو كملك يمين : وجهان . وأطلقهما في الفروع . وقال في الرعايتين ، والحاوي الصغير : وهل يلحق النكاح الفاسد بالصحيح ، أو بملك اليمين ؟ على وجهين . انتهى .

قلت : الصواب أنه كالنكاح الصحيح . وقال في الفنون : لم يلحقه أبو بكر في نكاح بلا ولي .

ومنها : لو أنكر ولدا بيد زوجته أو مطلقته أو سريته ، فشهدت امرأة بولادته : لحقه . على الصحيح من المذهب . وقيل : امرأتان . وقيل : يقبل قولهما بولادته . وقيل : يقبل قول الزوج . ثم هل له نفيه ؟ فيه وجهان . وأطلقهما في الفروع . وعلى الأول : نقل في المغني عن القاضي : يصدق فيه ، لتنقضي عدتها به .

ومنها : أنه لا أثر لشبهة مع فراش . ذكره جماعة من الأصحاب . وقدمه في الفروع [ ص: 269 ] واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله : تبعيض الأحكام ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " واحتجبي منه يا سودة " وعليه نصوص الإمام أحمد رحمه الله . قال في عيون المسائل : أمره لسودة رضي الله عنها بالاحتجاب يحتمل أنه رأى قوة شبهه من الزاني . فأمرها بذلك . أو قصد أن يبين أن للزوج حجب زوجته عن أخيها . واختار الشيخ تقي الدين رحمه الله : إن استلحق ولده من الزنا ولا فراش لحقه ونص الإمام أحمد رحمه الله فيها : لا يلحقه . وقال في الانتصار في نكاح الزانية : يسوغ الاجتهاد فيه . وقال في الانتصار أيضا : يلحقه بحكم حاكم . وذكر أبو يعلى الصغير وغيره مثل ذلك .

ومنها : إذا وطئت امرأته أو أمته بشبهة ، وأتت بولد يمكن أن يكون من الزوج والواطئ : لحق الزوج . لأن الولد للفراش . وإن ادعى الزوج أنه من الواطئ ، فقال بعض الأصحاب منهم : صاحب المستوعب يعرض على القافة . فإن ألحقته بالواطئ لحقه . ولم يملك نفيه عنه . وانتفى عن الزوج بغير لعان . وإن ألحقته بالزوج لحق به . ولم يملك نفيه باللعان في أصح الروايتين . قاله في المغني ، والشرح . وعنه : يملك نفيه باللعان . وأطلقهما في الهداية ، والمذهب ، ومسبوك الذهب ، والمستوعب ، والخلاصة ، والمحرر ، والفروع . وتقدم بعض ذلك في كلام المصنف . في آخر " باب اللقيط " . وإن ألحقته بهما : لحق بهما ، ولم يملك الواطئ نفيه عن نفسه . وهل يملك الزوج نفيه باللعان ؟ على روايتين . وأطلقهما في المغني ، والشرح .

التالي السابق


الخدمات العلمية