الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( وروث ) بالمثلثة وهو إما خاص بما من الآدمي [ ص: 296 ] كالعذرة أو بما من غير الآدمي أو بما من ذي الحافر أو أعم وهو ما في الدقائق فعلى غيره أريد به الأعم توسعا ( وبول ) ولو من طائر وسمك وجراد وما لا نفس له سائلة ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سمى الروث ركسا وهو شرعا النجس وأمر بصب الماء على البول ، وحكاية جمع مالكية قولا للشافعي بطهارة بول الطفل غلط .

                                                                                                                              واختار جمع متقدمون ومتأخرون طهارة فضلاته صلى الله عليه وسلم وأطالوا فيه ولو قاءت أو راثت بهيمة حبا صلبا بحيث لو زرع نبت فهو متنجس يغسل ويؤكل والعسل يخرج قيل من فم النحل فهو مستثنى من القيء وقيل من دبرها فهو مستثنى من الروث وقيل من ثقبتين تحت جناحها فلا استثناء إلا بالنظر إلى أنه حينئذ كاللبن وهو من غير المأكول نجس وليس العنبر روثا خلافا لمن زعمه بل هو نبات في البحر فما تحقق منه أنه مبلوع متنجس ؛ لأنه متجسد غليظ لا يستحيل وجلدة المرارة طاهرة دون ما فيها كالكرش ومنه الخرزة المعروفة فيها لانعقادها من النجاسة كحصى الكلى أو المثانة وجلدة الإنفحة من مأكول طاهرة تؤكل وكذا ما فيها إن أخذت من مذبوح [ ص: 297 ] لم يأكل غير اللبن وإن جاوز سنتين كما اقتضاه إطلاقهم والفرق بينه وبين الطفل الآتي غير خفي وعن العدة والحاوي الجزم بنجاسة نسج العنكبوت ويؤيده قول الغزالي والقزويني أنه من لعابها مع قولهم إنها تتغذى بالذباب الميت لكن المشهور الطهارة كما قاله السبكي والأذرعي أي لأن نجاسته تتوقف على تحقق كونه من لعابها وأنها لا تتغذى إلا بذلك وأن ذلك النسج قبل احتمال طهارة فمها وأنى بواحد من هذه الثلاثة وأفتى بعضهم فيما يخرج من جلد نحو حية أو عقرب في حياتها بطهارته كالعرق وفيه نظر لبعد تشبيهه بالعرق بل الأقرب أنه نجس ؛ لأنه جزء متجسد منفصل من حي فهو كميتته .

                                                                                                                              وفي المجموع عن الشيخ نصر العفو عن بول بقر الدياسة على الحب وعن الجويني تشديد النكير على البحث عنه وتطهيره ( ومذي ) للأمر بغسل الذكر منه وهو بمعجمة ويجوز إهمالها ساكنة ، وقد تكسر مع تخفيف الياء وتشديدها ماء أصفر رقيق غالبا يخرج غالبا عند شهوة ضعيفة ( وودي ) إجماعا وهو بمهملة ويجوز إعجامها ساكنة ماء أبيض كدر ثخين غالبا يخرج غالبا إما عقب البول حيث استمسكت الطبيعة أو عند حمل شيء ثقيل .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله فضلاته صلى الله عليه وسلم ) قال الزركشي وينبغي طرد الطهارة في فضلات سائر الأنبياء ونازعه الجوجري في ذلك ( قوله حبا صلبا إلخ ) وقياسه في البيض لو خرج منه صحيحا بعد ابتلاعه بحيث يكون فيه قوة خروج الفرخ أن يكون متنجسا لا نجسا شرح م ر ( قوله كحصى الكلى ) خالف شيخنا الشهاب الرملي فأفتى بطهارة عين الحصاة لاحتمال أنها حجر خلقه الله في هذا المحل وليس منعقدا من نفس البول إلا أن يخبر عدل طبيب بأنها [ ص: 297 ] منعقدة من نفس البول فيحكم بنجاسة عينها ( قوله لم يأكل غير اللبن ) قال في العباب تبعا لبحث الزركشي الطاهر قال في شرحه فتكون إنفحة آكلته أي اللبن النجس نجسة لكنه مردود بمخالفته لإطلاقهم ولقوله هو أي الزركشي تفريعا على طهارة بول المأكول أنه لو أكل نجاسة فالأقرب طهارته أيضا ولأن المستحيل في المعدة كالمستحال إليه طهارة ونجاسة إلخ ما أطال به في الرد عليه ( قوله وإن جاوز سنتين ) اعتمده م ر .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( وروث ) ولو من طير مأكول أو مما لا نفس له سائلة أو سمك أو جراد نهاية ومغني ( قوله وهو إما خاص إلخ ) عبارة النهاية والعذرة [ ص: 296 ] والروث قيل بترادفهما وقال النووي إن العذرة مختصة بالآدمي والروث أعم قال الزركشي ، وقد يمنع بل هو مختص بغير الآدمي ثم نقل عن صاحب المحكم وابن الأثير ما يقتضي أنه يختص بذي الحافر وعليه فاستعمال الفقهاء له في سائر البهائم توسع ا هـ وعلى قول الترادف فأحدهما يغني عن الآخر وعلى قول النووي الروث يغني عن العذرة ا هـ وفي البصري بعد ذكر مثلها عن الأسنى ما نصه وقوله قيل مترادفان يتصور الترادف بطريقين إما بأن يستعمل كل منهما في سائر الحيوانات وهذا هو الظاهر المتبادر وإما بأن يختصا بفضلة الآدمي وهذا ما فهمه صاحب التحفة إلا أنه لا يخلو عن بعد فتأمل ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : كالعذرة ) بفتح العين وكسر المعجمة أسنى ( قوله أو بما من غير الآدمي ) أي مطلقا ( قوله ولو من طائر ) إلى قوله وحكاية جمع في النهاية والمغني ( قوله ولو من طائر إلخ ) راجع لكل من الروث والبول ( قوله على البول ) أي بول الأعرابي في المسجد وقيس به سائر الأبوال ، وأما { أمره صلى الله عليه وسلم العرنيين بشرب أبوال الإبل } فكان للتداوي والتداوي بالنجس جائز عند فقد الطاهر الذي يقوم مقامه .

                                                                                                                              وأما قوله صلى الله عليه وسلم { لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها } فمحمول على صرف الخمر نهاية ومغني أي فلا يجوز التداوي به بخلاف صرف غيره من سائر النجاسات حيث لم يقم غيره مقامه ع ش ( قوله واختار جمع إلخ ) اعتمده النهاية والمغني وفاقا للشهاب الرملي وخلافا للشارح كما يأتي عبارتهما واللفظ للأول وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى وهو المعتمد وحمل تنزهه صلى الله عليه وسلم منها على الاستحباب ومزيد النظافة ، وأما الحصاة التي تخرج مع البول أو بعده أحيانا وتسميها العامة الحصية فأفتى فيها الوالد رحمه الله تعالى بأنه إن أخبر طبيب عدل بأنها منعقدة من البول فنجسة وإلا فمتنجسة ا هـ .

                                                                                                                              وقولهما وأما الحصاة إلخ يأتي في الشارح إطلاق نجاستها ( قوله طهارة فضلاته إلخ ) قال الزركشي وينبغي طرد الطهارة في فضلات سائر الأنبياء نهاية وهو المعتمد ولا يلزم من طهارتها حل تناولها فينبغي تحريمه إلا لغرض كالمدواة ولا يلزم من الطهارة أيضا احترامها بحيث يحرم وطؤها لو وجدت بأرض وعليه فيجوز الاستنجاء بها إذا جمدت ع ش ( قوله وأطالوا فيه ) وكذا أطال فيه النهاية ( قوله ولو قاء ) إلى قوله والعسل في المغني وإلى قوله وقيل من ثقبين في النهاية ( قوله بهيمة ) ليس بقيد ومثلها الآدمي ( قوله قيل من فم النحل ) وهو الأشبه نهاية ( قوله بل هو نبات في البحر ) كذا في النهاية والمغني أي في بحر الصين كما قاله صاحب الأقاليم السبعة يقذفه البحر وقال بعضهم يأكله الحوت فيموت فينبذه البحر فيؤخذ ويشق بطنه ويستخرج منه ويغسل عنه ما أصابه من أذاه والذي يؤخذ قبل أن يلتقطه السمك هو أطيب العنبر كردي ( قوله وجلدة المرارة ) إلى قوله وعن العدة في النهاية إلا قوله كحصى الكلى أو المثانة ( قوله وجلدة المرارة ) بفتح الميم من إضافة الأعم إلى الأخص ( قوله طاهرة إلخ ) أي متنجسة كالكرش فتطهر بغسلها نهاية ( قوله ومنه ) أي مما في المرارة النجس ( قوله كحصى الكلى والمثانة ) خلافا للنهاية والمغني كما مر .

                                                                                                                              وقال البصري أقول مقتضى إطلاقه أي الشارح أنه نجس وإن لم يعلم تولده من البول وهو أوجه ممن قيد بذلك أي كالنهاية والمغني ؛ لأنها وإن لم تكن متولدة من البول لكنها متولدة من رطوبة كائنة في معدن النجاسة فهي نجسة كما صرحوا به في البلغم الخارج من المعدة فتأمل ا هـ وكذا استشكل ع ش ما قالاه بعدم ظهور الفرق بين الحصاة المذكورة وبين خرزة المرة التي أطلقا نجاستها ( قوله وجلدة الإنفحة ) إلى قوله وعن العدة في المغني ( قوله وجلدة الإنفحة إلخ ) هي بكسر الهمزة وفتح الفاء وتخفيف الحاء على الأفصح لبن في جوف نحو سخلة في جلدة تسمى إنفحة أيضا مغني ونهاية ( قوله إن أخذت من مذبوح إلخ ) بخلاف ما إذا [ ص: 297 ] أخذت من ميت أو من مذبوح أكل غير اللبن ولو للتداوي مغني ( قوله لم يأكل غير اللبن ) سواء في اللبن لبن أمها أم غيرها شربته أم سقي لها كان طاهرا أم نجسا ولو من نحو كلبة خرج على هيئته حالا أم لا نعم يعفى عن الجبن المعمول بالإنفحة من حيوان تغذى بغير اللبن لعموم البلوى به في هذا الزمان كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى إذ من القواعد أن المشقة تجلب التيسير وأن الأمر إذا ضاق اتسع نهاية وفي المغني مثلها إلا قوله نعم إلخ وقال ع ش قول م ر نعم يعفى إلخ وينبغي أن يكون مراده بالعفو الطهارة كما في شرحه على العباب أي فتصح صلاة حامله ولا يجب غسل الفم منه عند إرادة الصلاة وغير ذلك وهل يلحق بالإنفحة الخبز المخبوز بالسرجين أم لا الظاهر الإلحاق كما نقل عن الزيادي بالدرس فليراجع وقوله م ر لعموم البلوى إلخ ولا يكلف غيره إذا سهل تحصيله ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله والفرق بينه ) أي بين ذلك المذبوح المجاوز سنتين ( قوله غير خفي ) لأن المعول عليه فيه على التغذي وعدمه وشربه بعد الحولين يسمى تغذيا والمعول عليه فيها ما يسمى إنفحة وهي ما دامت تشرب اللبن لا تخرج عن ذلك مغني ( قوله وعن العدة ) وهو للقاضي شريح أبي المكارم رشيدي ( قوله : وأنى بواحد إلخ ) أي من أين لنا واحد إلخ بجيرمي ( قوله من هذه الثلاثة ) وبفرض تحققها فهو حينئذ متنجس لا نجس كما هو ظاهر وإن أوهم كلامه خلافه بصري ( قوله وفيه نظر إلخ ) عبارة النهاية وكلامه يخالفه ا هـ . ( قوله بل الأقرب أنه نجس إلخ ) معتمد ع ش ، وقال البصري الذي يظهر أنه إن تحقق كونه جزءا من الجلد فنجس لما ذكره الشارح أو كونه يترشح كالعرق ثم يتجسد فطاهر وكذا إن شك فيما يظهر نظرا لما ذكره أول الباب من أن الأصل في الأشياء الطهارة ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله بقر الدياسة ) أي مثلا فمثله خيلها ( قوله على الحب ) أي مثلا فمثله التبن رشيدي وجمل ( قوله عنه ) أي الحب الذي بال عليه بقر الدياسة ( قوله تطهيره ) لعله بالجر عطفا على البحث أخذا من قول ابن العماد في منظومته فاترك غسل حنطته ومن قول النهاية والمغني ومن البدع المذمومة غسل ثوب جديد وقمح ا هـ . ( قوله للأمر إلخ ) أي في قصة علي رضي الله عنه نهاية ومغني ( قوله بغسل الذكر ) أي ما مسه منه كردي ( قوله وهو بمعجمة ساكنة ) هذه هي اللغة الفصحى كردي ( قوله غالبا ) وفي تعليق ابن الصلاح أنه يكون في الشتاء أبيض ثخينا وفي الصيف أصفر رقيقا وربما لا يحس بخروجه وهو أغلب في النساء منه في الرجال خصوصا عند هيجانهن نهاية أي هيجان شهوتهن ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : وهو بمهملة ساكنة ) هي اللغة الفصحى كردي ( قوله حيث استمسكت الطبيعة ) أي يبس ما فيها قليوبي عبارة البصري هل المراد بالبول أو بالغائط ينبغي أن يحرر ا هـ ويظهر الثاني ( قوله أو عند حمل شيء ثقيل ) أي فلا يختص بالبالغين ، وأما المذي فيحتمل اختصاصه بالبالغين ؛ لأن خروجه ناشئ عن الشهوة ع ش عبارة الحلبي والودي يكون للصغير والكبير والمذي خاص بالكبير ا هـ .




                                                                                                                              الخدمات العلمية