الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2702 2857 - حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، سمعت قتادة ، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال كان فزع بالمدينة ، فاستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسا لنا يقال له : مندوب . فقال : " ما رأينا من فزع ، وإن وجدناه لبحرا " . [انظر : 2627 - فتح: 6 \ 58]

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 506 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 506 ] ذكر فيه أربعة أحاديث :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها : حديث أبي قتادة في قصة الحمار الوحشي وأنه كان راكبا على فرس يقال له الجرادة . وقد سلف .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها : حديث أبي بن العباس بن سهل ، عن أبيه ، عن جده قال : كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - في حائطنا فرس يقال له : اللحيف . وقال بعضهم : اللخيف . بالخاء ; وهو من أفراده .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : حديث معاذ : كنت ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - على حمار يقال له : عفير ، فقال : "يا معاذ ، هل تدري حق الله على عباده ، وما حق العباد على الله ؟ " . قلت : الله ورسوله أعلم . قال : "فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا " . فقلت : يا رسول الله ، أفلا أبشر الناس ؟ قال : "لا تبشرهم فيتكلوا " .

                                                                                                                                                                                                                              رابعها : حديث أنس بن مالك قال : كان فزع بالمدينة ، فاستعار النبي - صلى الله عليه وسلم - فرسا لنا يقال له : مندوب . فقال : "ما رأينا من فزع ، وإن وجدناه لبحرا " . وقد سلف .

                                                                                                                                                                                                                              ثم الكلام من وجوه :

                                                                                                                                                                                                                              أحدها : شيخ البخاري في الأول (محمد بن أبي بكر ) ، وهو الصواب . قال الجياني : وفي نسخة أبي زيد المروزي : محمد بن بكر ، وهو خطأ ، والصواب الأول وهو المقدمي ، قال : وليس في شيوخ البخاري محمد بن بكر .

                                                                                                                                                                                                                              ثانيها : اختلف في ضبط اللحيف ، فضبطه عامة الشيوخ كما قال

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 507 ] صاحب "المطالع " : بضم اللام وفتح الحاء المهملة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : وعليه اقتصر الهروي ، سمي بذلك لطول ذنبه ، فعيل بمعنى فاعل ، فكأنه يلحف الأرض بجريه ، يقال : لحفت الرجل باللحاف : إذا طرحته عليه ، قال : وعن ابن سراج : فتح اللام وكسر الحاء على وزن رغيف . وقال ابن السكيت : سمي اللحيف لكثرة سبائبه : يعني ذنبه . وقال ابن الجوزي : بنون وحاء مهملة ، وقال في "المغيث " : بلام مفتوحة وجيم مكسورة . قال أبو موسى : المحفوظ بالحاء ، فإن روي بالجيم فيراد به السرعة ; لأن اللجيف سهم نصله عريض ، قاله صاحب "التتمة " ، وصح عن البخاري أنه قال : إنه بالخاء المعجمة . قال ابن الأثير : ولم يتحققه ، والمعروف الأول .

                                                                                                                                                                                                                              وهذا الفرس أهداه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ربيعة بن البراء فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب . وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه " : أهداه له فروة بن عمرو الجذامي من أرض البلقاء .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : (عفير ) تصغير أعفر ، إلا أنهم أخرجوه عن بناء أصله ، كما قالوا في تصغير أسود : سويد . وهو بعين مهملة على المشهور ، وزعم القاضي عياض : أنه بغين معجمة ، ورد ذلك عليه .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن عبدوس في أسماء خيله ودوابه - صلى الله عليه وسلم - : كان (أخضر ) أخذ ذلك من العفر وهو التراب ، وكذا قال الخطابي : سمي بذلك لعفرة لونه ، والعفرة : حمرة يخالطها بياض ، يقال له : أعفر ويعفور ، وأخضر

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 508 ] ويخضور ، وأصفر ويصفور ، وأحمر ويحمور .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : عفير من العفرة وهو تصغير أعفر . وقال الدمياطي : إنه شبه في عدوه باليعفور -وهو الظبي - وهذا الحمار أهداه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - المقوقس ، وأهدى له فروة بن عمرو حمارا يقال له : يعفور . ويقال : هما واحد ، حكاه ابن عبدوس .

                                                                                                                                                                                                                              قال الواقدي : نفق يعفور منصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حجة الوداع . وذكر السهيلي أنه طرح نفسه في بئر يوم مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر ابن عساكر عن أبي منصور : لما فتح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر أصاب حمارا أسود ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - : "ما اسمك ؟ " قال : يزيد بن شهاب -وعند السهيلي : زياد بن شهاب - أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا ، كلهم لم يركبه إلا نبي ، وقد كنت أتوقعك أن تركبني ; لأنه لم يبق من نسل جدي غيري ولا من الأنبياء غيرك . فذكر حديثا طويلا فيه : فلما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان ، فتردى فيها جزعا على رسول الله ، فصارت قبره .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو القاسم : هذا حديث غريب ، وفي إسناده غير واحد من المجهول .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حبان في "ضعفائه " : لا أصل لهذا الحديث ، وإسناده ليس بشيء .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 509 ] فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              روينا في "الإرداف " لابن منده أبي زكريا يحيى أنه - صلى الله عليه وسلم - كان له حمار آخر أعطاه إياه سعد بن عبادة .

                                                                                                                                                                                                                              ثانية مهمة : في عدد أفراسه :

                                                                                                                                                                                                                              عند ابن سعد أول فرس ملكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بني فزارة بعشرة أواقي ، وكان اسمه عند الأعرابي الضرس ، فسماه رسول الله : السكب ، وأول ما غزا عليه أحدا ، وكان أغر محجلا طلق اليمين .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المنمق " لمحمد بن حبيب البغدادي : كان كميتا .

                                                                                                                                                                                                                              وللطبراني عن ابن عباس : كان أدهم ، وله أيضا السكب ، سمي بذلك ; لأن لونه يشبه لون الشقائق . وللواقدي : كان له أيضا فرس أشقر يسمى : المرتجز وهو الذي شهد له فيه خزيمة ، وكان لأعرابي من بني مرة .

                                                                                                                                                                                                                              ولابن أبي عاصم : كان أشقر ، سمي المرتجز لحسن صهيله .

                                                                                                                                                                                                                              وزعم ابن قتيبة أن الذي شهد فيه خزيمة الظرب ، وفي رواية : النجيب .

                                                                                                                                                                                                                              و (الأعرابي ) قيل : هو سواء بن الحارث بن ظالم المزني ، وقيل : هو سواء بن قيس المحاربي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 510 ] وذكر الرشاطي : أن المرتجز أهداه له عصيم بن الحارث بن ظالم المحاربي فأثابه - صلى الله عليه وسلم - ناقة تدعى القرعى .

                                                                                                                                                                                                                              وعند الواقدي : كان له - صلى الله عليه وسلم - أفراس ثلاث عند سهل بن سعد : لزاز ، والظرب ، واللحيف ، أهدى الظرب له فروة بن عمرو الجذامي ، وفي "تاريخ ابن عساكر " : أهداه له ربيعة بن أبي البراء ، وذكر أبو سعيد النيسابوري في "شرف المصطفى " : أنه كان لجنادة بن المعلى المحاربي ، وذكر ابن الجوزي أن لزازا (أهدى له ) المقوقس . وعند السهيلي : كان معه في المريسيع ، وذكر سليمان بن بنين النحوي المصري : أنه من هدايا المقوقس ، قال : وكان تحته ببدر . وفيه نظر ; لأن هدايا المقوقس لم تأت إلا بعد سنة ست .

                                                                                                                                                                                                                              وعند ابن سعد : كان له فرس يقال له : الورد أهداه له تميم الداري ، فأعطاه عمر ، فحمل عليه في سبيل الله فوجده يباع ، الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وعنده أيضا : المرواح ، أهداه له الرهاويون .

                                                                                                                                                                                                                              وعند ابن حبيب : وكان له فرس يقال له : ذو اللمة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 511 ] وعند ابن خالويه: والمرتجل والسرحان والعسوب ، ذكره قاسم بن ثابت في "الدلائل " .

                                                                                                                                                                                                                              وكذلك اليعسوب والبحر . قال ابن بنين : اشتراه من تجار قدموا به من اليمن .

                                                                                                                                                                                                                              والشحاء والسجل ، قال ابن الأثير : أخاف أن يكون أحدهما تصحيفا من الآخر .

                                                                                                                                                                                                                              وملاوح ، ذكره في "شرف المصطفى " قال : وكان لأبي بردة بن نيار .

                                                                                                                                                                                                                              ومندوب ، ذكره أبو عبد الله محمد بن علي بن حضر بن عسكر المالقي في "ذيل التعريف " .

                                                                                                                                                                                                                              وسبخة ، ففي "سنن الدارقطني " عن أنس : كانت له فرس يقال لها : سبخة .

                                                                                                                                                                                                                              وذو العقال ، ذكره ابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                              والسقب ، (ففي ) "الجهاد " لابن أبي عاصم عن ابن عباس : كان لرسول الله فرس أدهم يسمى : دلدل ، وفي "المستدرك " : كان له بغلة يقال لها : دلدل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الواقدي : عن موسى بن محمد ، عن أبيه : هي أول بغلة (رئيت ) في الإسلام ، أهداها له المقوقس وبقيت إلى زمن معاوية .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 512 ] وفي "تاريخ دمشق " : قاتل عليها في خلافته الخوارج .

                                                                                                                                                                                                                              وعند ابن إسحاق : كانت في منزل عبد الله بن جعفر يحش لها الشعير ; لأن أسنانها ذهبت ، وكانت شهباء . وعند الواقدي : أهداها له فروة الجذامي . وعند المرزباني : لما أهداها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طلبه الحارث بن أبي شمر الغساني ، فلما ظفر به صلبه . وفي مسلم : أهدى ابن العلماء -يعني : يوحنا بن رؤبة - له في تبوك بغلة بيضاء ، فكتب له النبي - صلى الله عليه وسلم - يجيرهم وأهدى له بردا . وعند ابن سعد : وأرسل إليه صاحب دومة بغلة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الثعلبي -بإسناد فيه ضعف - عن ابن عباس : أهدى كسرى بغلة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فركبها (بجل ) من شعر وأردفه خلفه . وفيه نظر ; لأن كسرى مزق كتابه .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "أخلاقه - صلى الله عليه وسلم - " لأبي الشيخ ابن حيان : عن ابن عباس أن النجاشي أهدى له - صلى الله عليه وسلم - بغلة ; فكان يركبها ، وهو غريب .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الطبري عن ابن عبد الرحيم البرقي : ثنا عمرو بن أبي سلمة عن زهير بن محمد قال : اسم راية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العقاب ، وفرسه : المرتجز ، وناقته : العضباء والجدعاء ، والحمار : يعفور ، والسيف :

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 513 ] ذو الفقار ، والدرع : ذات الفضول ، والرداء : الفتح ، والقدح : الغمر .

                                                                                                                                                                                                                              رابعها : فقه الباب : جواز تسمية الدواب بأسماء تخصها غير أسماء أجناسها .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : ("وإن وجدناه لبحرا " ) أي : واسع الجري . قال الأصمعي : يقال : فرس بحر وفيض وحث وغمر . وقال نفطويه : معناه كثير الجري لا يفنى جريه كما لا يفنى ماء البحر ، فإذا كان ذلك من فعله - صلى الله عليه وسلم - في أملاكه وكان الرب -جل جلاله - قد ندب خلقه إلى الاستنان به والتأسي فيما لم ينههم عنه ، فالصواب لكل من أنعم الله عليه وخوله رقيقا أو حيوانا من البهائم أو الطير أو غير ذلك أن يسميه باسم كما فعل - صلى الله عليه وسلم - ، وعلم بذلك أن المولدين لما ادعوا أنساب الخيل لم يتعدوا في ذلك ، إذ كان لها من الأسماء ما لبني آدم تميزوا بها من أعيانها وأشخاصها ، إذ الأسماء إما هي أمارات وعلامات يفصل بها بين مسمياتها ، وذكر هنا في حديث أبي قتادة : أنه - صلى الله عليه وسلم - أخذ منه رجل الحمار وأكله ، وهو حجة على أحد قولي أبي حنيفة وغيره الذين منعوا المحرم من أكل لحم الصيد وإن لم يصد من أجله .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : إرداف النبي - صلى الله عليه وسلم - أفاضل الصحابة . ومعاذ أحد الأربعة الذين حفظوا القرآن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيد بن ثابت وأبي وأبو زيد الأنصاري ، ويقال : إنه يأتي يوم القيامة يقدم العلماء برتوة ، مات ابن ثلاث وستين .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 514 ] وفيه : جواز الإرداف على الدابة والحمل عليها ما أقلت ولم يضر بها .

                                                                                                                                                                                                                              فائدة :

                                                                                                                                                                                                                              الخيل : جمع لا واحد له وجمعه : خيول ، قاله في "المخصص " ، وكان أبو عبيد يقول : واحدها خايل لاختيالها ، فهو على هذا الاسم للجمع عند سيبويه ، وجمع عند أبي الحسن .

                                                                                                                                                                                                                              قال في "المحكم " : وقول أبي عبيد ليس بمعروف . قال : وقول أبي ذؤيب :


                                                                                                                                                                                                                              فتنازلا وتواقفت خيلاهما وكلاهما بطل اللقاء مخدع



                                                                                                                                                                                                                              ثناه على قولهم : هما لقاحان أسودان وجمالان ، والجمع : أخيال عن ابن الأعرابي ، والأول أشهر .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن رضوان أبو عبد الله في "الاحتفال " : وقد جاء فيه الجمع أيضا على أخيل في شعر الحطيئة وإذا صغرت قلت : خييلة ، ولو حذفها لكان وجها ، والخول -بالفتح - : جماعة الخيل .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية