الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 101 ] قال ( فإن وكل بغير إذن موكله فعقد وكيله بحضرته جاز ) لأن المقصود حضور رأي الأول وقد حضر [ ص: 102 ] وتكلموا في حقوقه [ ص: 103 ] ( وإن عقد في حال غيبته لم يجز ) لأنه فات رأيه إلا أن يبلغه فيجيزه ( وكذا لو باع غير الوكيل فبلغه فأجازه ) لأنه حضر رأيه ( ولو قدر الأول الثمن للثاني فعقد بغيبته يجوز ) لأن الرأي فيه يحتاج إليه لتقدير الثمن ظاهرا وقد حصل ، وهذا بخلاف ما إذا وكل وكيلين وقدر الثمن ، لأنه لما فوض إليهما مع تقدير الثمن ظهر أن غرضه اجتماع رأيهما في الزيادة واختيار المشتري على ما بيناه ، أما إذا لم يقدر الثمن وفوض إلى الأول كان غرضه رأيه في معظم الأمر وهو التقدير في الثمن .

التالي السابق


( قال ) أي القدوري في مختصره ( فإن وكل ) أي الوكيل ( بغير إذن موكله فعقد وكيله ) أي وكيل الوكيل ( بحضرته ) أي بحضرة الوكيل الأول ( جاز ) أي جاز العقد ( لأن المقصود ) أي مقصود الموكل الأول ( حضور رأي الأول ) أي حضور رأي الوكيل الأول ( وقد حضر ) أي وقد حضر رأيه في الصورة المذكورة فحصل مقصوده فجاز العقد .

قال صاحب النهاية : فإن قلت : ما الفرق بين هذا وبين أحد الوكيلين بالبيع إذا باع بغير إذن صاحبه فإنه لم يكتف هناك بمجرد حضرة صاحبه ، بل لا بد من الإجازة صريحا كما ذكر في الذخيرة والمبسوط . قلت : ما ذكره في الجامع الصغير من أن عقد وكيل الوكيل جائز عند حضرة الوكيل الأول محمول على ما إذا أجاز الوكيل الأول عقد الوكيل الثاني لا مطلق الحضرة .

هكذا ذكر في الذخيرة وقال : [ ص: 102 ] ثم إن محمدا رحمه الله قال في الجامع الصغير : إذا باع الوكيل الثاني بحضرة الوكيل الأول جاز ولم يشترط للجواز إجازة الوكيل الأول ، وهكذا ذكر في وكالة الأصل في موضع ، وذكر في موضع آخر من وكالة الأصل وشرط إجازته فقال : إذا باع الوكيل الثاني والوكيل الأول حاضر أو غائب فأجاز الوكيل الأول جاز . وحكى عن الكرخي أنه كان يقول : ليس في المسألة روايتان ، ولكن ما ذكر مطلقا في بعض المواضع أنه يجوز إذا باع بحضرة الأول محمول على ما إذا أجاز ، فكان يحمل المطلق على المقيد ، وإلى هذا ذهب عامة المشايخ ، وهذا لأن توكيل الوكيل الأول لما لم يصح لأنه لم يؤذن له في ذلك صار وجود هذا التوكيل وعدمه بمنزلة ، ولو عدم التوكيل من الأول حتى باعه هذا الرجل والوكيل غائب أو حاضر فإنه لا يجوز عقد هذا الفضولي إلا بإجازته ، لأن الإجازة لبيع الفضولي لا تثبت بالسكوت لكون السكوت محتملا ، كذا هاهنا . ومتى أجاز فإنما يجوز لأن الوكيل يملك مباشرته بنفسه فيملك إجارته بالطريق الأولى . ومنهم من يجعل في المسألتين روايتين . وجه رواية الجواز من غير إجازة الأول أن بيع الثاني حال غيبة الأول إنما لا يصح لتعري العقد عن رأي الأول ، ومتى باع بحضرته فقد حضر هذا العقد رأي الأول ، وعلى هذا أحد وكيلي البيع والإجارة إذا أمر صاحبه بالبيع أو الإجارة فباع بحضرته ، في رواية لا يجوز إلا بإجازته ، وفي رواية يجوز من غير إجازته انتهى ، واقتفى أثره صاحب معراج الدراية كما هو دأبه في أكثر المواضع .

قال صاحب العناية بعد نقل السؤال والجواب : وفيه نظر ، أما فيما نقل عن محمد فإنه قال : والوكيل الأول حاضر أو غائب ، فأجاز الوكيل ، وليس ذلك نصا في اشتراط الإجازة للحاضر لجواز أن يكون قوله فأجاز متعلقا بقوله أو غائب فقط ، أما في تعليلهم فلأنه معارض بأن المقصود وهو الرأي وقد حضر كما ذكره انتهى . وأجاب بعض الفضلاء عن نظره فيما نقل عن محمد حيث قال : أنت خبير بأن قوله فأجاز الوكيل عطف على قوله إذا باع الوكيل الثاني إلخ فيكون متعلقا بكل منهما . نعم لو كانت العبارة وأجاز بالواو فيجوز كونها حالية لاحتمل ما ذكره انتهى . أقول : وفيه نظر ، لأنه يجوز أن تكون الفاء في قوله فأجاز الوكيل للسببية لا للعطف ، كما في قولك : زيد فاضل فأكرمه ، ونحو الذي يطير فيغضب زيد الذباب على ما ذكروا في موضعه ; ولئن سلم كونها للعطف وكون قوله فأجاز الوكيل عطفا على قوله إذا باع الوكيل الثاني إلخ فلا يسلم كون قوله فأجاز الوكيل متعلقا بكل من قيدي المعطوف عليه : أعني قوله والوكيل الأول حاضر أو غائب ، إذ قد تقرر في محله أن العطف على مقيد بشيء إنما يوجب تقييد المعطوف بذلك الشيء فيما إذا كان القيد مقدما على المعطوف عليه ، كما في قولنا يوم الجمعة سرت وضربت زيدا ، وقولنا إن جئتني أعطك وأكسك ، وأما فيما لا يتقدم عليه فلا يوجب تقييده بذلك في شيء ، وما نحن فيه من هذا القبيل كما لا يخفى ، فلم يجب فيه أن يتقيد المعطوف بقيدي المعطوف عليه بل جاز أن يتعلق بواحد منهما فقط .

ثم قال صاحب العناية : ولعل الصواب أن الإجازة ليست بشرط لصحة عقد وكيل الوكيل عند حضوره وشرط لصحة عقد أحد الوكيلين ، والفرق بينهما أن وكيل الوكيل لما كان يتصرف بتوكيله ورضاه بالتصرف كان سكوته رضا لا محالة ، وأما أحد الوكيلين فليس كذلك ، فلم يكن سكوته رضا لجواز أن يكون غيظا منه على استبداده بالتصرف من غير إذن من صاحبه انتهى قال المصنف ( وتكلموا في حقوقه ) أي في حقوق عقد الثاني بحضرة الأول : يعني إذا باع بحضرة الأول حتى جاز فالعهدة على من تكون ؟ لم يذكره محمد في الجامع الصغير وتكلم المشايخ فيه .

قال الإمام المحبوبي : منهم من قال العهدة على الأول لأن الموكل [ ص: 103 ] إنما رضي بلزوم العهدة على الأول دون الثاني ، ومنهم من قال العهدة على الثاني إذ السبب وهو العقد وجد من الثاني دون الأول ، والثاني كالوكيل للموكل الأول ، حتى لو مات الموكل الأول ينعزل الوكيل الثاني بموته ، ولا ينعزل بموت الموكل الثاني وهو الوكيل الأول ، كذا في الملتقط . وقال في الذخيرة : ثم إذا باع أو اشترى بحضرة الأول حتى جاز فالعهدة على من ؟ لم يذكر محمد رحمه الله هذا الفصل في الجامع الصغير ، وذكر البقالي في فتاواه أن الحقوق ترجع إلى الأول ، وفي حيل الأصل والعيون أن الحقوق ترجع إلى الثاني انتهى . وقال في فتاوى قاضي خان : فإن وكل غيره فباع الوكيل الثاني بحضرة الأول جاز ، وحقوق العقد ترجع إلى الوكيل الأول عند البعض ، وذكر في الأصل أن الحقوق ترجع إلى الوكيل الثاني وهو الصحيح انتهى ( وإن عقد ) أي الوكيل الثاني ( في حال غيبته ) أي في حال غيبة الوكيل الأول ( لم يجز ) أي لم يجز العقد ( لأنه فات رأيه ) أي رأي الوكيل الأول فلم يحصل مقصود الموكل وهو حضور رأيه ( إلا أن يبلغه ) أي إلا أن يبلغ خبر عقد الوكيل الثاني الوكيل الأول ( فيجيزه ) أي فيجيز الوكيل الأول ذلك العقد فحينئذ يجوز لتحقق رأيه ( وكذا لو باع غير الوكيل ) أي وكذا يجوز لو باع الأجنبي ( فبلغه ) أي فبلغ خبر البيع الوكيل ( فأجازه ) أي فأجاز البيع بعد بلوغ الخبر ( لأنه حضره رأيه ) أي بإجازته ( ولو قدر الأول ) أي الوكيل الأول ( الثمن ) أي ثمن ما أمر ببيعه ( للثاني ) أي للوكيل الثاني الذي وكله بغير إذن موكله بأن قال له بعه بكذا ( فعقد بغيبته ) أي فعقد الثاني بذلك الثمن المقدر بغيبة الأول ( يجوز ) أي العقد ( لأن الرأي يحتاج إليه فيه لتقدير الثمن ظاهرا ) إنما قال ظاهرا احترازا عما إذا وكل وكيلين وقدر الثمن كما سيأتي بيانه ( وقد حصل ) أي وقد حصل تقدير الثمن الذي هو المقصود بالرأي .

واعلم أن هذه رواية كتاب الرهن اختارها المصنف ، وعلى رواية كتاب الوكالة لا يجوز لأن تقدير الثمن إنما يمنع النقصان لا الزيادة ، فلو باشر الأول ربما باع بالزيادة على المقدار المعين لذكاته وهدايته . قال المصنف ( وهذا بخلاف ما إذا وكل وكيلين وقدر الثمن ) فإنه لا يجوز بيع أحدهما بذلك المقدار ( لأنه لما فوض إليهما ) أي لأن الموكل لما فوض الرأي إلى الوكيلين ( مع تقدير الثمن ظهر أن غرضه اجتماع رأيهما في الزيادة واختيار المشتري ) الذي لا يماطل في تسليم الثمن ( على ما بيناه ) إشارة إلى قوله فيما مر والبدل وإن كان مقدرا ، ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري ( أما إذا لم يقدر ) أي الموكل ( الثمن وفوض إلى الأول ) أي وفوض الرأي إلى الوكيل الأول ( كان غرضه ) أي غرض الموكل ( رأيه ) أي رأي الوكيل الأول ( في معظم الأمر ) أي معظم أمر عقد البيع ( وهو التقدير في الثمن ) وذلك لأن المقصود من [ ص: 104 ] البياعات الاسترباح ، والعادة جرت في الوكالة أن يوكل الأهدى في تحصيل الأرباح ، وذلك إنما يكون في التوكيل بتقدير ثمن صالح لزيادة الربح وقد حصل ذلك بتقدير الوكيل الأول ، فبعد ذلك لا يبالي بنيابة الآخر عنه في مجرد العبارة ، كذا في الشروح .

أقول : لقائل أن يقول : اختيار المشتري الذي لا يماطل في تسليم الثمن من مهمات البياعات ومعظمات أمورها أيضا كما أشار إليه المصنف فيما مر بقوله والبدل وإن كان مقدرا ، ولكن التقدير لا يمنع استعمال الرأي في الزيادة واختيار المشتري ، فكيف يتم أن يقال هاهنا : فبعد ذلك لا يبالي بنيابة الآخر عنه في مجرد العبارة




الخدمات العلمية