الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ومتى ) ( أتلف الآخذ من الغاصب ) شيئا ( مستقلا به ) أي بالإتلاف وهو أهل للضمان ( فالقرار عليه مطلقا ) سواء أكانت يده يد أمانة أم ضمان لأن الإتلاف أقوى من إثبات اليد العادية ، أما إذا لم يستقل بالإتلاف بأن حمله عليه الغاصب فإن كان لغرضه كذبح شاة أو قطع ثوب أمره به ففعله جاهلا فالقرار عليه ، أو لا لغرض فعلى المتلف ، وكذا إن كان لغرض نفسه كما قال ( وإن حمله الغاصب عليه بأن قدم له طعاما مغصوبا ضيافة فأكله فكذا ) القرار عليه ( في الأظهر ) لأنه المتلف وإليه عادت المنفعة . والثاني أن القرار على الغاصب لأنه غر الآكل ، وعلى الأول لو قدمه لآخر وقال له هو ملكي فالقرار على الآكل أيضا فلا يرجع بما غرمه على الغاصب لكن بهذه المقالة إن غرم الغاصب لم يرجع على الآكل لاعترافه بأن المالك ظلمه والمظلوم لا يرجع على غير ظالمه ، وتقديمه لرقيق ولو بإذن مالكه جناية يد منه يباع فيها لتعلق موجبها برقبته ، فلو غرم الغاصب رجع على قيمة الآكل ، بخلاف ما لو قدمه لبهيمة فأكلته وغرم الغاصب فإنه لا يرجع على المالك إن لم يأذن وإلا رجع عليه ( وعلى هذا ) أي الأظهر في أكل الضيف ( لو قدمه ) الغاصب ( لمالكه ) أو لم يقدمه له ( فأكله ) جاهلا بأنه له ( برئ الغاصب ) لمباشرته إتلاف ماله مختارا ، أما إذا أكله عالما فيبرأ قطعا هذا كله إن قدمه له على هيئته . أما إذا غصب حبا ولحما أو عسلا ودقيقا وصنعه هريسة أو حلواء مثلا فلا يبرأ قطعا ، قاله الزبيري لأنه لما صيره كالتالف انتقل الحق لقيمته وهي لا تسقط ببذل غيرها بدون رضا مستحقها وهو لم يرض ، ويبرأ الغاصب أيضا بإعارته أو بيعه أو إقراضه للمالك ولو جاهلا بكونه له لأنه باشر أخذ ماله مختارا لا بإيداعه ورهنه وإجارته وتزويجه منه والقراض معه فيه جاهلا بأنه له ، إذ التسليط فيها غير تام ، بخلاف ما لو كان عالما ، وشمل التزويج [ ص: 158 ] الذكر والأنثى ، ومحله فيها ما لم يستولدها ، فإن استولدها وإن لم يتسلمها برئ الغاصب لحصول تسلمها بمجرد استيلادها ، ولو قال الغاصب للمالك أعتقه أو أعتقه عنك فأعتقه ولو جاهلا بأنه له عتق وبرئ ، فلو قال له أعتقه عني فأعتقه ولو جاهلا بأنه له عتق وبرئ الغاصب كما رجحه ابن المقري وصرح به السبكي ، ويقع العتق عن المالك لا عن الغاصب على الصحيح في أصل الروضة ، لكن الأوجه معنى كما قاله الشيخ وقوعه عن الغاصب ، ويكون ذلك بيعا ضمنيا إن ذكر عوضا وإلا فهبة بناء على صحة البيع فيما لو باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : فإن كان لغرضه ) أي الغاصب ( قوله فالقرار عليه ) أي الغاصب ( قوله : لكن بهذه المقالة ) هي قوله وقال له هي ملكي إلخ ( قوله وتقديمه ) أي الطعام المغصوب وقوله ولو بإذن مالكه أي مالك الرقيق ، وقوله جناية منه : أي الرقيق ، وقوله على قيمة الآكل : أي وهو الرقيق ( قوله : فإنه لا يرجع على المالك ) أي وليس لمالك العلف مطالبة صاحب البهيمة فليس طريقا في الضمان لأنه لا ينسب إلى تقصير في إتلاف ما أكلته بهيمته ( قوله : انتقل الحق لقيمته ) أي ومع ذلك لا يجوز له التصرف فيه إلا بعد دفع بدله للمالك ولا لغيره ممن علم أن أصله مغصوب تناول شيء منه ( قوله إذ التسليط فيها غير تام ) قد [ ص: 158 ] يقال : التسليط بالإجارة أقوى منه بالعارية ، اللهم إلا أن يقال : لما كانت يد المستعير ضامنة نزلت منزلة المشتري بجامع الضمان والمستأجر لكونه أمينا نزل منزلة الوديع . وفي سم على منهج : فرع : سئل م ر عما لو غصب الراهن الرهن من المرتهن فتلف هل يضمن له أقصى القيم ويجعل رهنا مكانه ؟ فمال إلى أنه إنما يضمن له قيمة يوم التلف ، فلتحرر المسألة في الروضة وغيرها ا هـ سم على منهج . أقول : والأقرب أنه يضمن أقصى القيم من وقت الغصب إلى التلف ، وخرج بغصبه ما لو أتلفه في يد المرتهن فيضمنه بقيمته يوم التلف وما لو أخذه من المرتهن لينتفع به على الوجه المشروع فلا ضمان عليه إذا تلف في يده بلا تقصير هذا ، وما نوزع به من أن المالك إنما يضمن بأقل الأمرين من القيمة والدين ظاهر فيما لو دفعها الراهن لتكون من الدين وما هنا يدفعها لتكون رهنا فلا وجه لاعتبار الأقل ( قوله : ومحله فيها ) أي الأنثى ( قوله : فلو قال له ) أي المالك ( قوله وبرئ الغاصب ) قال في شرح الروض : قال البلقيني : وينبغي أن يلحق بالإعتاق الوقف ونحوه ا هـ سم على حج . وقول سم ونحوه : أي كأن أمره بهبته لمسجد أو نحوه من الجهات العامة أو قال له انذر إعتاقه أو أوص به لجهة كذا ثم مات المالك ( قوله : لكن الأوجه معنى ) أي لا نقلا ، وهذا يشعر باعتماد الأول لأنه الأوجه نقلا عنده ، لكن اعتمد أنه عن الغاصب شيخنا الزيادي



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وعلى الأول لو قدمه لآخر ) كان الأولى هنا الإضمار . ( قوله : وتقديمه لرقيق ولو بإذن مالكه جناية ) صوابه كما في الروض وإذا قدمه لعبد فالأكل جناية يباع فيها .




                                                                                                                            الخدمات العلمية