الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 575 ] ( ويخرج عن ملكه ) أي البائع ( مع خيار المشتري ) فقط ( فيهلك بيده بالثمن كتعيبه ) فيها بعيب لا يرتفع كقطع يد فيلزمه قيمته في المسألة الأولى ، وللبائع فسخ المبيع وأخذ نقصان القيمي لا المثلي لشبهة الربا حدادي ، [ ص: 576 ] وثمنه في الثانية ، ولو يرتفع كمرض ، فإن زال في المدة فهو على خياره وإلا لزمه العقد لتعذر الرد ابن كمال . ( ولا يملكه المشتري خلافا لهما ) لئلا يصير سائبة . قلنا : السائبة هي التي لا ملك فيها لأحد ولا تعلق ملك ، والثاني موجود هنا ، ويلزمكم اجتماع البدلين والعود على موضوعه بالنقض بشراء قريبه .

التالي السابق


( قوله : ويخرج عن ملكه أي البائع ) فلو أعتقه لم يصح عتقه ، ولو كان حلف إن بعته فهو حر لم يعتق لخروجه عن ملكه بحر . ( قوله : مع خيار المشتري فقط ) شمل ما إذا كان الخيار لهما وأسقط البائع خياره بأن أجاز البيع كما في البحر . قال : ح : ومثله ما إذا جعل المشتري الخيار لأجنبي . ( قوله : فيهلك بيده بالثمن ) لأن الهلاك لا يعرى عن مقدمة عيب يمنع الرد فيهلك وقد انبرم البيع فيلزم الثمن ، بخلاف ما إذا كان الخيار للبائع ; لأن تعيبه في هذه الحالة لا يمنع الرد فيهلك والعقد موقوف فيبطل نهر . وإذا بطل العقد يضمن القيمة .

مطلب في الفرق بين القيمة والثمن والفرق بين الثمن والقيمة أن الثمن ما تراضى عليه سواء زاد على القيمة أو نقص ، والقيمة ما قوم به الشيء بمنزلة المعيار من غير زيادة ولا نقصان . ( قوله : كتعيبه فيها ) أي في يد المشتري ، وهذا تشبيه بالهلاك في الصورتين أعني في صورة ما إذا كان الخيار للبائع أو للمشتري ، فإن التعيب المذكور كالهلاك يوجب القيمة في الأولى والثمن في الثانية منح ، وشمل ما إذا عيبه المشتري أو أجنبي أو تعيب بآفة سماوية أو بفعل المبيع ، وكذا بفعل البائع عند محمد فلا يسقط به خيار المشتري ، فإن أجاز البيع ضمن البائع النقصان . وعندهما يلزم البيع بحر : أي ويرجع بالأرش على البائع كما ذكره بعد . [ تنبيه ] :

ذكر حكم الهلاك والنقصان عند المشتري ولم يذكر حكم الزيادة عنده . وحاصله أنها متصلة أو منفصلة ومتولدة من الأصل كالولد والسمن والجمال والبرء من المرض ، أو غير متولدة كالصبغ والعقر والكسب والبناء فيمتنع الفسخ إلا في المنفصلة الغير المتولدة بحر عن التتارخانية . ( قوله : لا يرتفع ) يأتي محترزه . ( قوله : فيلزمه قيمته ) أي لو هلك ، ولو قال : فللبائع في المسألة الأولى فسخ البيع إلخ لكان أولى ; لأن المطلوب بيان ما يلزم بالتعيب في المسألتين ، أما ما يلزم بالهلاك فيهما فهو مصرح به في المتن . ( قوله : لشبهة الربا ) لأن الجودة في المال الربوي غير معتبرة ، لكن قال : في الخلاصة من الغصب : إذا غصب قلب فضة - وهو بالضم السوار - ، إن شاء المالك أخذه مكسورا ، وإن شاء تركه وأخذ قيمته من الذهب . قال : في العناية : إذ لو أوجبنا مثل القيمة من جنسه أدى إلى الربا أو مثل وزنه أبطلنا حق المالك في الجودة والصنعة . ا هـ . وذكر الزيلعي هناك فيما لو نقص المغصوب الربوي يخير المالك بين أن يمسك العين ولا يرجع على الغاصب بشيء وبين أن يسلمها ويضمن مثلها أو قيمتها ; لأن تضمين النقصان متعذر لأنه يؤدي إلى الربا . ا هـ . وبه علم أن الخيار للمالك بين إمساك العين بلا رجوع بالنقصان وبين دفعها وتضمين [ ص: 576 ] مثلها أي مثل وزنها ; لأنه رضي بإبطال حقه في الجودة وبين تضمين قيمتها : أي من خلاف الجنس .

وفي مسألتنا إذا كان الخيار للبائع في بيع الربوي وعيبه المشتري واختار البائع الفسخ ليس له أخذ نقصان العيب لأنه يؤدي إلى الربا وينبغي أن يكون له الخيارات المذكورة . تأمل . ( قوله : في الثانية ) أي ما كان الخيار فيها للمشتري . ( قوله : ولو يرتفع ) مقابل قوله بعيب لا يرتفع . ( قوله : فهو على خياره ) أي فله الفسخ في مدة الخيار ورد المبيع على بائعه . ( قوله : وإلا ) أي وإن لم يزل المرض في المدة لزم العقد ; لأنه لا يمكنه رده في المدة معيبا لتضرر البائع ، ولو زال بعد مضي المدة لزم العقد بمضيها . ( قوله :ابن كمال ) ومثله في البحر والجوهرة . ( قوله : ولا يملكه المشتري ) أي فيما إذا كان الخيار له فقط ، لكن في الخانية يصح إعتاقه ويكون إمضاء . وفي السراج : تجب النفقة عليه بالإجماع ، ولو تصرف فيه في مدة الخيار جاز تصرفه ويكون إجازة منه .

وفي جامع الفصولين : لو رهن الثمن رهنا جاز الرهن به مع أنه ذكر فيه أيضا أنه لو أبرأه البائع عن الثمن لم يجز إبراؤه عند أبي يوسف . ا هـ . فينبغي أن لا يصح الرهن أيضا . والجواب أن الإبراء يعتمد الدين ولا دين له عليه ; لأن الثمن باق على ملك المشتري بخلاف الرهن بدليل صحته بالدين الموعود به ، لكن في المعراج أن عدم صحة الرهن بالثمن قياس والاستحسان صحته لأنه إبراء بعد وجود السبب وهو البيع ، وتمامه في البحر : وفيه على الخلاصة أن زوائد المبيع موقوفة ، إن تم البيع كانت للمشتري ، وإن يفسخ كانت للبائع . ( قوله : خلافا لهما ) حيث قالا : إنه يملكه . ( قوله : لئلا يصير سائبة ) أي شيئا لا مالك له بعد دخوله في الملك ، وهذا دليل لقولهما إنه يملكه بعد خروجه من ملك البائع أي أنه لو لم يملكه لزم أن يخرج عن ملك البائع لا إلى مالك فيكون كالسائبة ولا عهد لنا به في الشرع يعني في المعاوضات لئلا يرد نحو التركة المستغرقة بالدين فإنها تخرج عن ملك الميت ولا تدخل في ملك الورثة ولا الغرماء ، وتمامه في النهر والفتح . ( قوله : قلنا ) أي من طرف الإمام ، وهو جواب يمنع كونه كالسائبة . ( قوله : والثاني موجود هنا ) وهو علقة الملك : أي للبائع ، إذ قد يرد عليه فيعود إليه حقيقة ملكه وللمشتري أيضا إذ قد يسقط خياره فيكون له ط .

( قوله : ويلزمكم إلخ ) استدلال للإمام بطريق النقض الإجمالي لدليل الخصم باستلزامه الفساد من وجهين : الأول ما في النهر أنه لو دخل في ملك المشتري مع كون الثمن لم يخرج من ملكه لزم اجتماع البدلين في حكم ملك أحد المتعاقدين حكما للمعاوضة ولا أصل له في الشرع ، يعني في باب المعاوضة فإنها تقتضي المساواة بينهما في تبادل ملكيهما ، فلا يرد ما لو غصب المدبر وأبق من يده فإنه يضمن قيمته ولا يخرج عن ملك المالك فيجتمع العوضان في ملك لأنه ضمان جناية لا معاوضة . والثاني ما في الفتح من أن خيار المشتري شرع نظرا له ليتروى فيقف على المصلحة ، فلو أثبتنا الملك بمجرد البيع مع خياره ألحقناه نقيض مقصوده ، إذ ربما كان المبيع من يعتق عليه فيعتق بلا اختياره فيعود شرع الخيار على موضوعه بالنقض إذ كان مفوتا للنظر وذلك لا يجوز .




الخدمات العلمية