الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              17 [ ص: 533 ] 10 - باب : علامة الإيمان حب الأنصار

                                                                                                                                                                                                                              17 - حدثنا أبو الوليد قال: حدثنا شعبة، أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنسا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار". [3784 - مسلم 74 - فتح: 1 \ 62]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثنا أبو الوليد ثنا شعبة، أخبرني عبد الله بن عبد الله بن جبر قال: سمعت أنسا، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار".

                                                                                                                                                                                                                              الكلام عليه من وجوه:

                                                                                                                                                                                                                              أحدها:

                                                                                                                                                                                                                              هذا الحديث أخرجه البخاري (رباعيا عاليا هنا)، وفي فضائل الأنصار: عن مسلم بن إبراهيم عن شعبة، وأخرجه مسلم خماسيا عن ابن المثنى عن عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة به. ولفظه: "آية المؤمن" "وآية المنافق". وأخرجا من حديث البراء بن عازب في الأنصار: "لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق، من أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله". وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة: "لا يبغض الأنصار رجل مؤمن بالله واليوم الآخر".

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 534 ] وأخرجا من حديث أنس: " الأنصار كرشي وعيبتي ، وإن الناس يكثرون ويقلون، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم".

                                                                                                                                                                                                                              الوجه الثاني: في التعريف برواته.

                                                                                                                                                                                                                              أما أنس وشعبة فسلفا.

                                                                                                                                                                                                                              وأما عبد الله (ع) بن عبد الله بن جبر بن عتيك فهو أنصاري مدني ثقة. أهل المدينة يقولون: جابر، والعراقيون يقولون: جبر. وقال ابن منجويه: لا يصح، إنما هو جابر، وقيل: هما اثنان، سمع عمر وأنسا، وعنه مالك ومسعر وشعبة.

                                                                                                                                                                                                                              وأما أبو الوليد فهو هشام بن عبد الملك الطيالسي البصري مولى باهلة. سمع جمعا من الأعلام: مالكا والحمادين وغيرهما، وعنه: البخاري، وأبو داود، والباقون بواسطة، وثقته، وحفظه، وإتقانه، وجلالته، وإمامته مجمع عليها، وكانت الرحلة بعد أبي داود الطيالسي إليه. ولد سنة ست وثلاثين ومائة ومات سنة (سبع) وعشرين ومائتين.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 535 ] وأبو داود الطيالسي سليمان بن داود الحافظ صاحب "المسند". مات سنة أربع ومائتين عن إحدى وتسعين سنة.

                                                                                                                                                                                                                              فائدة:

                                                                                                                                                                                                                              أبو الوليد جماعة: هذا والمجاشعي، والدمشقي، والمكي عن جابر وآخر عن ابن عمر.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 536 ] الوجه الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              الأنصار لقب إسلامي، سموا بذلك لنصرتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم ولد الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة العنقاء -لطول عنقه- بن عمرو مزيقيا -الخارج من اليمن أيام سيل العرم- بن عامر بن ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق بن ثعلبة البهلول، بن مازن، وهو جماع غسان بن الأزد واسمه ذراء -على وزن فعال- ابن الغوث بن نبت بن مالك بن زيد كهلان أخي حمير بن يعرب بن يقطن، وهو قحطان وإلى قحطان جماع اليمن، وهو أبو اليمن كلها، ومنهم من ينسبه إلى إسماعيل فيقول: قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل، هذا قول الكلبي.

                                                                                                                                                                                                                              ومنهم من نسبه إلى غيره فيقول: قحطان بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح. فعلى الأول العرب كلها من ولد إسماعيل، وعلى الثاني من ولد إسماعيل وقحطان. وقال حسان بن ثابت الأنصاري:


                                                                                                                                                                                                                              إما سألت فإنا معشر نجب الأزد نسبتنا والماء غسان

                                                                                                                                                                                                                              وغسان ماء كان شربا لولد مازن بن الأزد. وكذا أسلفنا هذه النسبة أيضا في الحديث الأول في الصحيح بزيادة البعض.

                                                                                                                                                                                                                              الرابع في فوائده:

                                                                                                                                                                                                                              "آية الإيمان" علامته ودلالته و"حب الأنصار" من حيث كانوا أنصار الدين ومظهريه، وباذلي أنفسهم وأموالهم، وقتالهم الناس كافة دونه علامة ودلالة قاطعة على الإيمان، فمن عرف حق الأنصار ومبادرتهم [ ص: 537 ] ونصرهم ومحبتهم له - صلى الله عليه وسلم - أحبهم ضرورة بحكم صحة إيمانه، ومن كان منافقا لم يسره ما جاء منهم فيبغضهم.

                                                                                                                                                                                                                              وهذا جار في أعيان الصحابة كالخلفاء، وبقية العشرة، والمهاجرين، بل في كل الصحابة إذ (كل واحد منهم له) سابقة وسالفة، وغناء في الدين وأثر حسن فيه.

                                                                                                                                                                                                                              فحبهم لذلك المعنى محض الإيمان، وبغضهم محض النفاق، ويدل عليه الحديث الوارد في فضل الصحابة كلهم: "من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم"، وأما من أبغض أحدا منهم من غير تلك الجهة لأمر طارئ من حديث وقع لمخالفة غرض أو لضرر ونحوه لم يصر بذلك منافقا ولا كافرا، فقد وقع بينهم حروب ومخالفات، ومع ذلك لم يحكم بعضهم على بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذلك حال المجتهدين في الأحكام.

                                                                                                                                                                                                                              فإما أن يقال: كلهم مصيب أو المصيب واحد، والمخطئ معذور مع أنه مخاطب بما يراه ويظنه، فمن وقع له بغض في واحد منهم -والعياذ بالله- لشيء من ذلك فهو عاص تجب عليه التوبة، ومجاهدة نفسه بذكر سوابقهم وفضائلهم، وما لهم (على كل) من بعدهم من الحقوق; إذ لم يصل أحد من بعدهم لشيء من الدين والدنيا إلا بهم، وبسببهم قال تعالى: والذين جاءوا من بعدهم الآية [الحشر: 10]، نبه على ذلك [ ص: 538 ] القرطبي ففيه: الحث على حب الأنصار، وبيان فضلهم لما كان منهم من مناصحتهم لله تعالى ولرسوله وللمهاجرين وسائر المسلمين، وإعزازهم للدين، وإيثارهم به على أنفسهم وغير ذلك.




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية