الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهذه الحيل وأمثالها لا يستريب مسلم في أنها من كبائر الإثم وأقبح المحرمات ، وهي من التلاعب بدين الله ، واتخاذ آياته هزوا ، وهي حرام من جهتها في نفسها لكونها كذبا وزورا ، وحرام من جهة المقصود بها ، وهو إبطال حق وإثبات باطل ; فهذه ثلاثة أقسام :

[ الحيل المحرمة على ثلاثة أنواع ]

أحدها : أن تكون الحيلة محرمة ويقصد بها المحرم .

الثاني : أن تكون مباحة في نفسها ويقصد بها المحرم ; فيصير حراما تحريم الوسائل كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس المعصومة . [ ص: 260 ] وهذان القسمان تكون الحيلة فيهما موضوعة للمقصود الباطل المحرم ، ومفضية إليه ، كما هي موضوعة للمقصود الصحيح الجائز ومفضية إليه ; فإن السفر طريق صالح لهذا وهذا .

الثالث : أن تكون الطريق لم توضع للإفضاء إلى المحرم ، وإنما وضعت مفضية إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة ونحو ذلك ، فيتخذها المتحيل سلما وطريقا إلى الحرام ، وهذا معترك الكلام في هذا الباب ، وهو الذي قصدنا الكلام فيه بالقصد الأول .

[ نوع رابع من الحيل ينقسم إلى ثلاثة أقسام يقصد بها أخذ حق ]

القسم الرابع : أن يقصد بالحيلة أخذ حق أو دفع باطل ، وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة أقسام أيضا :

أحدها : أن يكون الطريق محرما في نفسه ، وإن كان المقصود به حقا ، مثل أن يكون له على رجل حق فيجحده ، ولا يبينه له ، فيقيم صاحبه شاهدي زور يشهدان به ، ولا يعلمان ثبوت ذلك الحق ، ومثل أن يطلق الرجل امرأته ثلاثا ، ويجحد الطلاق ، ولا يبينه لها ، فتقيم شاهدين يشهدان أنه طلقها ، ولم يسمعا الطلاق منه ، ومثل أن يكون له على رجل دين ، وله عنده وديعة ، فيجحد الوديعة ، فيجحد هو الدين ، أو بالعكس ، ويحلف ما له عندي حق ، أو ما أودعني شيئا ، وإن كان يجيز هذا من يجيز مسألة الظفر .

ومثل أن تدعي عليه المرأة كسوة أو نفقة ماضية كذبا وباطلا ، فينكر أن تكون مكنته من نفسها أو سلمت نفسها إليه ، أو يقيم شاهدي زور أنها كانت ناشزا ; فلا نفقة لها ولا كسوة ، ومثل أن يقتل رجل وليه فيقيم شاهدي زور ولم يشهدا القتل فيشهدا أنه قتله ، ومثل أن يموت موروثه فيقيم شاهدي زور أنه مات وأنه وارثه ، وهما لا يعلمان ذلك ، ونظائره ممن له حق لا شاهد له به فيقيم شاهدي زور يشهدان له به ; فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود ، وفي مثل هذا جاء الحديث : { أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك } .

التالي السابق


الخدمات العلمية