الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثاني

        حكم التولية على الوقف

        التولية على الوقف واجبة :

        والدليل على ذلك:

        1- ما تقدم من الأدلة على حفظ المال، والنهي عن إضاعته ، كقول الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما ، ولحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : "إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال".

        فعلى ولاة الأمر أن ينصبوا نظارا للأوقاف التي لا ناظر عليها إذا لم يستطيعوا النظر عليها بأنفسهم.

        قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "الأموال الموقوفة على ولاة الأمر من الإمام والحاكم ونحوه إجراؤها على الشروط الصحيحة الموافقة لكتاب الله ، وإقامة العمال على ما ليس عليه عامل من جهة الناظر، والعامل في عرف الشرع يدخل فيه الذي يسمى ناظرا، ويدخل فيه غير الناظر لقبض المال ممن هو عليه صرفه ودفعه إلى من هو له; لقوله : إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ، ونصب المستوفي الجامع للعمال المتفرقين بحسب الحاجة [ ص: 344 ] والمصلحة، وقد يكون واجبا إذا لم تتم مصلحة قبض المال وصرفه إلا به ، فإنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".

        ولذا قرر أهل العلم قاعدة ترسم حدود التصرفات النافذة لكل متول على غيره، فقالوا: (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة) ، وعبر عنها السبكي بلفظ مناسب لمقامنا إذ قال: "كل متصرف عن الغير، فعليه أن يتصرف بالمصلحة".

        قال العز بن عبد السلام: "يتصرف الولاة ونوابهم بما هو أصلح للمولى عليه درءا للضرر والفساد، وجلبا للنفع والرشاد، ولا يتخيرون في التصرف حسب تخيرهم في حقوق أنفسهم مثل أن يبيعوا درهما بدرهم، أو مكيلة زبيب بمثلها" .

        قال ابن تيمية : "الناظر ليس له أن يفعل شيئا في أمر الوقف إلا بمقتضى المصلحة الشرعية، وعليه أن يفعل الأصلح، فالأصلح، وإذا جعل الواقف للناظر صرف من شاء، وزيادة من أراد زيادته ونقصانه، فليس للذي يستحقه بهذا الشرط أن يفعل ما يشتهيه، أو ما يكون فيه اتباع الظن وما تهوى الأنفس، بل الذي يستحقه بهذا الشرط أن يفعل من الأمور الذي هو خير ما يكون إرضاء لله ورسوله.

        وهذا في كل من تصرف لغيره بحكم الولاية كالإمام، والحاكم، والواقف، وناظر الوقف، وغيرهم : إذا قيل هو مخير بين كذا وكذا، أو يفعل ما يشاء، وما رأى، فإنما ذاك تخيير مصلحة، لا تخيير شهوة".

        وإذا تقرر أن الناظر لا يتصرف إلا بمقتضى المصلحة والغبطة، وأنه [ ص: 345 ] ممنوع من التصرف بخلاف ذلك; ساغ الإشراف عليه ومحاسبته والرقابة عليه لئلا يخل بمقتضى المصلحة التي أنيطت تصرفاته بها . [ ص: 346 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية