الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فأما قول الشافعي : إن الله تعالى لما خص به رسوله صلى الله عليه وسلم من وحيه . ففيه روايتان :

                                                                                                                                            إحداهما : لما خص بكسر اللام وتخفيف الميم ، والأخرى : لما خص : بفتح اللام وتشديد الميم .

                                                                                                                                            فمن روى بكسر اللام وتخفيف الميم حملها على معنى الشرط ، وجعل " ما " بمعنى الذي ، واللام قبلها للإضافة ، فيكون تقديره : أن الله تعالى لأجل الذي خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحيه . ومن روى بفتح اللام وتشديد الميم حملها على معنى الخبر وجعل " ما " بمعنى بعد فيكون تقديره : أن الله تعالى خص به رسول الله صلى الله عليه وسلم من وحيه . وكلا الروايتين جائزة ، والأولى أظهر .

                                                                                                                                            وإن قيل : فكيف جعل الشافعي رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوصا بالوحي ، وقد أوحى الله تعالى إلى غيره من الأنبياء ، قال الله تعالى : إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده [ النساء : 163 ] فعن ذلك ثلاثة أجوبة :

                                                                                                                                            أحدها : أنه خص بالوحي من بين أهل عصره حتى بعث رسولا إلى جميعهم فكان مخصوصا بالوحي من بينهم .

                                                                                                                                            [ ص: 9 ] والثاني : أنه خص بانتهاء الوحي وختم النبوة ، حتى لا ينزل بعده وحي ، ولا يبعث بعده نبي ، فصار خاتما للنبوة ، مبعوثا إلى الخلق كافة ، حتى بعث إلى الإنس والجن ، وقال صلى الله عليه وسلم : بعثت إلى الأحمر والأسود . وفيه تأويلان : أحدهما : إلى العرب والعجم ، والثاني : إلى الإنس والجن .

                                                                                                                                            والثالث : أنه خص بالوحي الذي هو القرآن المعجز الذي يبقى إعجازه إلى آخر الدهر ، ويعجز عن معارضته أهل كل عصره ، وليس فيما أوحي إلى من قبله من الأنبياء إعجاز يبقى ، فصار بهذا الوحي مخصوصا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية