الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله ( وإصابة الجهة لمن بعد عنها ) ، وهذا المذهب نص عليه ، وعليه جمهور الأصحاب . وهو المعمول به في المذهب قال في الفروع : على هذا كلام أحمد والأصحاب وصححه في الحاويين فعليها يعفى عن الانحراف قليلا قال المجد في شرحه وغيره : فعليها لا يضر التيامن والتياسر ما لم يخرج عنها . وعنه فرضه الاجتهاد إلى عينها والحالة هذه قدمه في الهداية ، والخلاصة ، والرعايتين ، والحاويين قال أبو المعالي : هذا هو المشهور فعليها يضر التيامن والتياسر عن الجهة التي اجتهد إليها ، وقال في الرعاية على هذه الرواية : إن رفع وجهه نحو السماء ، فخرج به عن القبلة : منع قال أبو الحسين ابن عبدوس في كتاب المهذب : إن فائدة الخلاف في أن الفرض في استقبال القبلة : هل هو العين أو الجهة ؟ إن قلنا : العين ، فمتى رفع رأسه ووجهه إلى السماء حتى خرج وجهه عن مسامتة القبلة فسدت صلاته قال ابن رجب في الطبقات : كذا قال ، وفيه نظر . انتهى .

ونقل منها وغيره : إذا تجشأ وهو في الصلاة ، ينبغي أن يرفع وجهه إلى فوق لئلا يؤذي من حوله بالرائحة ، وقال ابن الجوزي في المذهب : يستدير الصف الطويل ، وقال ابن الزاغوني في فتاويه : في استدارة الصف الطويل روايتان إحداهما : لا يستدير لخفائه وعسر اعتباره . الثانية : ينحرف طرف الصف يسيرا ، يجمع به توجه الكل إلى العين . [ ص: 10 ] فائدة : البعد هنا : هو بحيث لا يقدر على المعاينة ، ولا على من يخبره عن علم ، قاله غير واحد من الأصحاب . وليس المراد بالبعد مسافة القصر ، ولا بالقرب دونها قال في الفروع : ولم أجدهم ذكروا هنا ذلك . قوله ( فإن أمكنه ذلك بخبر ثقة عن يقين ، أو استدلال بمحاريب المسلمين : لزمه العمل به ) الصحيح من المذهب : أنه يشترط في المخبر : أن يكون عدلا ظاهرا وباطنا ، وأن يكون بالغا جزم به في شرحه ، وهو ظاهر كلام الشارح وغيره وقدمه في الفروع ، والرعاية الكبرى ، وصححه ، وقيل : ويكفي مستور الحال أيضا صححه ابن تميم وجزم به في الرعاية الصغرى ، والحاويين ، وقيل : يكفي أيضا خبر المميز ، وأطلقهما ابن تميم فيه .

تنبيه : ظاهر كلام المصنف : أنه لا يقبل خبر الفاسق في القبلة ، وهو صحيح ، لكن قال ابن تميم : يصح التوجه إلى قبلته في بيته ، ذكره في الإشارات وقال في الرعاية الكبرى : قلت : وإن كان هو عملها فهو كإخباره بها .

قوله ( عن يقين ) الصحيح من المذهب أنه لا يلزمه العمل بقوله إلا إذا أخبره عن يقين ، فلو أخبره عن اجتهاد ، لم يجز تقليده ، وعليه الجمهور قال في الفروع : لم يجز تقليده في الأصح قال ابن تميم : لم يقلده ، واجتهد في الأظهر ، وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الرعاية وغيرها ، وقيل : يجوز تقليده ، وقيل : يجوز تقليده إن ضاق الوقت وإلا فلا ، وذكره [ ص: 11 ] القاضي ظاهر كلام الإمام أحمد ، واختاره جماعة من الأصحاب ، منهم الشيخ تقي الدين ، ذكره في الفائق ، وقيل : يجوز تقليده إن ضاق الوقت ، أو كان أعلم منه ، وقال أبو الخطاب في آخر التمهيد : يصليها حسب حاله ثم يعيد إذا قدر فلا ضرورة إلى التقليد كمن عدم الماء والتراب يصلي ويعيد . قوله ( لزمه العمل به ) الصحيح من المذهب : أنه يلزمه العمل بقول الثقة إذا كان عن يقين ، وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم ، وقال في التلخيص : ليس للعالم تقليده قال ابن تميم : وهو بعيد وقيل : لا يلزمه تقليده مطلقا . قوله ( أو استدلال بمحاريب المسلمين : لزمه العمل به ) الصحيح من المذهب : أنه يلزمه العمل بمحاريب المسلمين . فيستدل بها على القبلة ، وسواء كانوا عدولا أو فساقا ، وعليه الأصحاب ، وعنه يجتهد إلا إذا كان بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم ، وعنه يجتهد ولو بالمدينة ، على ساكنها أفضل الصلاة والسلام ، ذكرها ابن الزاغوني في الإقناع والوجيز . قلت : وهما ضعيفان جدا وقطع الزركشي بعدم الاجتهاد في مكة والمدينة ، وحكي الخلاف في غيرهما .

تنبيه : مفهوم قوله " أو استدلال بمحاريب المسلمين " أنه لا يجوز الاستدلال بغير محاريب المسلمين ، وهو صحيح ، وهو المذهب ، وعليه الجمهور وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع ، والرعاية وقال المصنف وتبعه الشارح لا يجوز الاستدلال بمحاريب الكفار إلا أن يعلم قبلتهم ، كالنصارى . وجزم به ابن تميم ، وقال أبو المعالي : لا يجتهد في محراب لم يعرف بمطعن بقرية مطروقة قال : وأصح الوجهين : ولا ينحرف ; لأن دوام التوجه إليه كالقطع ، كالحرمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية