الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فصل القسم الثاني : أن يكون الطريق مشروعة ، وما يفضي إليه مشروع ، وهذه هي الأسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها كالبيع والإجارة والمساقاة والمزارعة والوكالة ، بل الأسباب محل حكم الله ورسوله ، وهي في اقتضائها لمسبباتها شرعا على وزان الأسباب الحسية في اقتضائها لمسبباتها قدرا ; فهذا شرع الرب تعالى وذلك قدره ، [ ص: 261 ] وهما خلقه وأمره ، والله له الخلق والأمر ، ولا تبديل لخلق الله ، ولا تغيير لحكمه ، فكما لا يخالف سبحانه بالأسباب القدرية أحكامها بل يجريها على أسبابها وما خلقت له ; فهكذا الأسباب الشرعية لا يخرجها عن سببها وما شرعت له ، بل هذه سنته شرعا وأمرا ، وتلك سنته قضاء وقدرا ، وسنته الأمرية قد تبدل وتتغير كما يعصى أمره ويخالف ، وأما سنته القدرية فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا ، كما لا يعصى أمره الكوني القدري .

ويدخل في هذا القسم التحيل على جلب المنافع وعلى دفع المضار ، وقد ألهم الله تعالى ذلك لكل حيوان ; فلأنواع الحيوانات من أنواع الحيل والمكر ما لا يهتدي إليه بنو آدم .

وليس كلامنا ولا كلام السلف في ذم الحيل متناولا لهذا القسم . بل العاجز من عجز عنه ، والكيس من كان به أفطن وعليه أقدر ، ولا سيما في الحرب فإنها خدعة . والعجز كل العجز ترك هذه الحيلة . والإنسان مندوب إلى استعاذته بالله تعالى من العجز والكسل ; فالعجز عدم القدرة على الحيلة النافعة . والكسل عدم الإرادة لفعلها ; فالعاجز لا يستطيع الحيلة ، والكسلان لا يريدها . ومن لم يحتل وقد أمكنته هذه الحيلة أضاع فرصته وفرط في مصالحه ، كما قال :


إذا المرء لم يحتل وقد جد جده أضاع وقاسى أمره وهو مدبر

.

وفي هذا قال بعض السلف : الأمر أمران : أمر فيه حيلة فلا يعجز عنه ، وأمر لا حيلة فيه فلا يجزع منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية