الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1096 177 - حدثنا عبد الله بن يوسف، قال: أخبرنا مالك، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان فقالت: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ; يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا. قالت عائشة: فقلت: يا رسول الله، أتنام قبل أن توتر فقال: يا عائشة إن عيني تنامان ولا ينام قلبي.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، ورجاله قد ذكروا غير مرة، وأخرجه البخاري أيضا في "الصوم" عن إسماعيل ، وفي "صفة النبي صلى الله عليه وسلم" عن القعنبي ، وأخرجه مسلم في "الصلاة" عن يحيى بن يحيى ، وأخرجه أبو داود فيه عن القعنبي ، وأخرجه الترمذي فيه عن إسحاق بن موسى ، عن معن بن عيسى ، وأخرجه النسائي عن قتيبة بن سعيد ، وعن محمد بن سلمة، والحارث [ ص: 203 ] ابن مسكين .

                                                                                                                                                                                  ذكر من أخرجه من غير عائشة ، وفي هذا الباب عن أنس ، وجابر بن عبد الله ، وحجاج بن عمرو ، وحذيفة ، وزيد بن خالد ، وصفوان بن المعطل ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعلي بن أبي طالب ، والفضل بن عباس ، ومعاوية بن الحكم السلمي ، وأبي أيوب ، وخباب ، وأم سلمة ، وصحابي لم يسم.

                                                                                                                                                                                  أما حديث أنس فرواه الطبراني في "الأوسط" من رواية جنادة بن مروان ، قال: حدثنا الحارث بن النعمان قال: سمعت أنس بن مالك يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحيي الليل بثمان ركعات، ركوعهن كقراءتهن، وسجودهن كقراءتهن، ويسلم بين كل ركعتين ، وجنادة اتهمه أبو حاتم .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث جابر فرواه أحمد والبزار وأبو يعلى من رواية شرحبيل بن سعد أنه سمع جابر بن عبد الله قال: ( أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية)، وفيه: (ثم صلى بعدها) أي بعد العتمة (ثلاث عشرة سجدة ) وشرحبيل وثقه ابن حبان وضعفه غير واحد.

                                                                                                                                                                                  وأما حديث حجاج بن عمرو فرواه الطبراني في "الكبير والأوسط" من رواية كثير بن العباس عنه قال: (أيحسب أحدكم إذا قام من الليل يصلي حتى يصبح أن قد تهجد، إنما التهجد الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، ثم الصلاة بعد رقدة، تلك كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم) .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث حذيفة فرواه محمد بن نصر في "كتاب قيام الليل" من رواية عبد الملك بن عمير ، عن ابن عم حذيفة ، عن حذيفة قال: (قمت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات) الحديث.

                                                                                                                                                                                  وأما حديث زيد بن خالد فرواه مسلم ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والترمذي في الشمائل من رواية عبد الله بن قيس بن مخرمة ، (عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر، فذلك ثلاث عشرة ركعة) .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث صفوان بن المعطل فرواه أحمد في زياداته على المسند، والطبراني في "الكبير" من رواية أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، (عن صفوان بن المعطل السلمي قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر) الحديث. وفي آخره: (حتى صلى إحدى عشرة ركعة).

                                                                                                                                                                                  وأما حديث عبد الله بن عباس فرواه الأئمة الستة، فرواه البخاري ذكره في "باب كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" وأما حديث عبد الله بن عمر فرواه النسائي في سننه وابن ماجه من رواية عامر الشعبي قال: (سألت عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل فقالا: ثلاث عشرة ; منها ثمان بالليل، ويوتر بثلاث، وركعتين بعد الفجر) .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث علي بن أبي طالب فرواه أحمد في زياداته على المسند من رواية أبي إسحاق ، عن عاصم بن ضمرة ، (عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ست عشرة ركعة سوى المكتوبة ) وإسناده حسن.

                                                                                                                                                                                  وأما حديث الفضل بن عباس فرواه أبو داود من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر ، عن كريب ، (عن الفضل بن عباس قال: بت ليلة عند النبي صلى الله عليه وسلم لأنظر كيف يصلي، فقام فتوضأ وصلى ركعتين، قيامه مثل ركوعه، وركوعه مثل سجوده، ثم نام فذكر، وفيه فلم يزل يفعل هذا حتى صلى عشر ركعات، ثم قام فصلى سجدة واحدة فأوتر بها) . وأما حديث معاوية بن الحكم ، فرواه الطبراني في "الكبير" من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن معاوية بن الحكم قال مثل حديث مالك في صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى عشرة ركعة، واضطجاعه على شقه الأيمن.

                                                                                                                                                                                  وأما حديث أبي أيوب فرواه أحمد والطبراني في "الكبير" من رواية واصل بن السائب ، عن أبي سورة ، (عن أبي أيوب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قام يصلي من الليل صلى أربع ركعات، فلا يتكلم ولا يأمر بشيء، ويسلم من كل ركعتين) .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث خباب بن الأرت ، فرواه النسائي من رواية عبد الله بن خباب ، عن أبيه وكان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم (أنه راقب رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة كلها حتى كان مع الفجر، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته جاءه خباب فقال: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، لقد صليت الليلة صلاة ما رأيتك صليت نحوها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أجل إنها صلاة رغب ورهب) .

                                                                                                                                                                                  وأما حديث أم سلمة فرواه أبو داود ، والترمذي في فضائل القرآن، والنسائي من رواية ابن أبي مليكة ، (عن يعلى بن مالك : أنه سأل أم سلمة رضي الله عنها عن قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: وما لكم وصلاته، كان يصلي وينام قدر ما صلى، ثم يصلي قدر ما نام، ثم ينام قدر ما يصلي حتى يصبح) . ولأم سلمة حديث آخر رواه البخاري وسيأتي في أبواب الوتر.

                                                                                                                                                                                  وأما حديث الرجل الذي لم يسم [ ص: 204 ] فرواه النسائي من رواية حميد بن عبد الرحمن (أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلت: وأنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم والله لأرمقن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة حتى أرى فعله) . الحديث: (ثم قام فصلى حتى قلت: صلى قدر ما نام، ثم اضطجع حتى قلت: قد نام قدر ما صلى، ثم استيقظ ففعل كما فعل أول مرة، وقال مثل ما قال ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار قبل الفجر) .

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: (في رمضان) أي في ليالي رمضان.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فلا تسأل عن حسنهن) معناه هن في نهاية من كمال الحسن والطول مستغنيات لظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنهن والوصف.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أربعا) أي أربع ركعات.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أتنام) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الاستخبار والاستعلام.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ولا ينام قلبي) ليس فيه معارضة لما مضى في "باب الصعيد الطيب"، وضوء المسلم أنه صلى الله عليه وسلم نام حتى فاتت صلاة الصبح وطلعت الشمس ; لأن طلوع الشمس متعلق بالعين لا بالقلب إذ هو من المحسوسات لا من المعقولات.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): فيه أن عمله صلى الله عليه وسلم كان ديمة في شهر رمضان وغيره ، وأنه كان إذا عمل عملا أثبته وداوم عليه، وفيه تعميم الجواب عند السؤال عن شيء لأن أبا سلمة إنما سأل عائشة رضي الله تعالى عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان خاصة، فأجابت عائشة بأعم من ذلك، وذلك لئلا يتوهم السائل أن الجواب مختص بمحل السؤال دون غيره، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه والحل ميتته) لما سأله السائل عن حالة ركوب البحر ومع راكبه ماء قليل يخاف العطش إن توضأ فأجاب بطهورية ماء البحر حتى لا يختص الحكم بمن هذه حاله، وفي قولها: (يصلي أربعا) حجة لأبي حنيفة رضي الله تعالى عنه في أن الأفضل في التنفل بالليل أربع ركعات بتسليمة واحدة ، وفيه حجة على من منع ذلك كمالك رحمه الله، وفي قولها: ثم يصلي ثلاثا حجة لأصحابنا في أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة واحدة ; لأن ظاهر الكلام يقتضي ذلك، فلا يعدل عن الظاهر إلا بدليل.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): قد ثبت إيتار النبي صلى الله عليه وسلم بركعة واحدة وثبت أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن شاء أوتر بواحدة) . (قلت): سلمنا ذلك، فتكون تلك الركعة الواحدة توتر الشفع المتقدم لها، والدليل على ذلك ما رواه البخاري ، حدثنا عبد الله بن يوسف ، قال: أخبرنا مالك ، عن نافع ، وعبد الله بن دينار (عن ابن عمر : أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلاة الليل مثنى مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) . وسيجيء الكلام في موضعه مستقصى إن شاء الله تعالى، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم لا ينتقض وضوؤه بالنوم لكون قلبه لا ينام ، وهذا من خصائص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما ثبت في الصحيح من قوله: (وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم) .

                                                                                                                                                                                  وفيه: أن النوم ناقض للطهارة، وفيه تفصيل قد مر بيانه. وفيه أن صلاته صلى الله عليه وسلم كانت متساوية في جميع السنة بين ما يستفتح به الصلاة وما بعد ذلك. (فإن قلت): في صحيح مسلم من حديث عائشة وزيد بن خالد وأبي هريرة استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، وثبت أيضا في الصحيح من حديث حذيفة صلاته في أول قيامه من الليل بسورة البقرة وآل عمران. (قلت): يجمع بينهما بأنه صلى الله عليه وسلم كان يفعل كلا من الأمرين بالتسوية بين الركعات.

                                                                                                                                                                                  (الأسئلة والأجوبة) منها أنه ثبت في الصحيح من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم: (كان إذا دخل العشر الأواخر يجتهد فيه ما لا يجتهد في غيره) . وفي الصحيح أيضا من حديثها: (كان إذا دخل العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر) . وهذا يدل على أنه كان يزيد في العشر الأخير على عادته، فكيف يجمع بينه وبين حديث الباب، فالجواب أن الزيادة في العشر الأخير تحمل على التطويل دون الزيادة في العدد. ومنها أن الروايات اختلفت عن عائشة في عدد ركعات صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل، وفي مقدار ما يجمعه منها بتسليم، ففي حديث الباب إحدى عشرة ركعة، وفي رواية هشام بن عروة ، عن أبيه: (كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس، لا يجلس في شيء إلا في آخرها) . وفي رواية مسروق : أنه سألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (سبع وتسع وإحدى عشرة سوى ركعتي الفجر) .

                                                                                                                                                                                  وفي رواية إبراهيم عن الأسود ، (عن عائشة : أنه كان يصلي بالليل تسع ركعات) . رواه البخاري والنسائي وابن ماجه ، والجواب: أن من عدها ثلاث عشرة أراد بركعتي الفجر، وصرح بذلك في رواية القاسم ، (عن عائشة : كانت صلاته من الليل عشر ركعات، ويوتر [ ص: 205 ] بسجدة، ويركع ركعتي الفجر) . فتلك ثلاث عشرة ركعة، وأما رواية سبع وتسع فهي في حالة كبره كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وأما مقدار ما يجمعه من الركعات بتسليمه، ففي رواية: كان يسلم بين ركعتين ويوتر بواحدة ، وفي رواية: (يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها) . وفي رواية: (يصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة) .

                                                                                                                                                                                  والجمع بين هذا الاختلاف أنه صلى الله عليه وسلم فعل جميع ذلك في أوقات مختلفة. ومنها أنه اختلفت أيضا الأحاديث الواردة في هذا الباب في عدد صلاته، ففي حديث زيد بن خالد ، وابن عباس ، وجابر ، وأم سلمة ثلاث عشرة ركعة، وفي حديث الفضل ، وصفوان بن المعطل ، ومعاوية بن الحكم ، وابن عمر وإحدى الروايتين عن ابن عباس إحدى عشرة، وفي حديث أنس ثمان ركعات، وفي حديث حذيفة سبع ركعات، وفي حديث أبي أيوب أربع ركعات، وكذلك في بعض طرق حديث حذيفة ، وأكثر ما فيها حديث علي رضي الله تعالى عنه ست عشرة ركعة، الجواب بأن ذلك بحسب ما شاهد الرواة كذلك، فربما زاد، وربما نقص، وربما فرق قيام الليل مرتين أو ثلاثا، ومن عد ذلك تسعا أسقط ركعة الوتر، ومن زاد على ثلاث عشرة ركعة، فيكون قد عد سنة العشاء أو ركعتي الفجر، أو عدهما جميعا، وعليه يحمل ما رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق في حديث مرسل أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل سبع عشرة ركعة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية