الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2370 - وعن عمر بن الخطاب قال : قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبي ; فإذا امرأة من السبي قد تحلب ثديها تسعى إذ وجدت صبيا في السبي ، أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟ فقلنا : لا ، وهي تقدر على أن لا تطرحه ، فقال : لله أرحم بعباده من هذه بولدها " . متفق عليه .

التالي السابق


2370 - ( وعن عمر بن الخطاب قال : قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - سبي ) هو : ما يسبى من العدو من الصبيان والنساء ( فإذا امرأة من السبي قد تحلب ) من باب التفعل أي : مال ( ثديها ) أي : يبس ثديها [ ص: 1643 ] لكثرته لعدم ولدها معها ( تسعى ) أي : تعدو في طلب الولد ، وأغرب ابن الملك فقال : أي تسعى بما تكلف من العمل ، وروي تسقي أي : ترضع الولد ، قال العسقلاني للكشميهني : بسقي بكسر الموحدة وفتح المهملة وسكون القاف وتنوين التحتانية ، وللباقين تسعى بفتح العين المهملة من السعي ، قال شارح : أي تعدو ، وروي في كتاب مسلم تبتغي أي : تطلب ولدها ، وأما تسقي على ما في بعض النسخ للمصابيح والبخاري أيضا فليس بشيء ، قلت : نسبته إلى البخاري ليس بشيء لما تقدم من كلام العسقلاني من أن رواية البخاري منحصرة في الصيغتين ، لكن في شرح الطيبي قال القاضي : الصواب ما في رواية البخاري تسقي بالقاف من السقي ، أقول : قوله : وفي كتاب البخاري تسقي ، كما في بعض نسخ المصابيح إن كان ردا للرواية فلا كلام فيه ، وإن كان الرد من حيث الدراية فغير مستقيم ; لأن ( تسقي ) إذا جعل حالا مقدرة من ضمير المرأة بمعنى قد تحلب ثديها مقدرة السقي فأي بعد فيه . اهـ كلامه ، والذي يظهر لي أن المراد بقول القاضي : الصواب ما في رواية البخاري تسقي بالقاف من السقي ، وتبعه النووي بقوله : الصواب ما في البخاري تسقي بالسين من السقي هو رواية الكشميهني ليطابق نقل العسقلاني ، وقولهما من السقي بالقاف احتراز من السعي بالعين ولا دلالة في كلامهما على أنه بصيغة المصدر المدخول عليه حرف الجر ، أو على أنه بصيغة المضارع ; فيتعين حمل كلامهما على الأول جمعا بين النقول ، وأما الشارح الذي زيف ما في بعض نسخ المصابيح وكتاب البخاري فهو تسقي بصيغة المضارع من السقي بالقاف من جهة الرواية ، فتأمل فإنه موضع زلل ، واندفع به كلام ابن حجر ، وعجيب من هذه الجسارة على الرواية الصحيحة وردها بمجرد مخيل لا حقيقة له ( إذ وجدت ) أي : فاجأت ( صبيا في السبي ) أي : في جملة صبيان السبي ( أخذته ، فألصقته ببطنها ، وأرضعته ) أي : محبة لولدها ورحمة وشفقة على ولد غيرها ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أترون ) بضم التاء أي : أتظنون ( هذه ) أي : المرأة مع ما عندها من عظم الرحمة حتى على أولاد غيرها ( طارحة ) أي : ملقية ( ولدها في النار ؟ فقلنا : لا ) أي : لا نظن أنها طارحة ، وهو أولى من قول ابن حجر : لا تطرحه ( وهي تقدر على أن لا تطرحه ) الواو للحال ، وفائدة هذا الحال أنها إن اضطرت يمكن طرحها ، والله منزه عن الاضطرار فلا يطرح عبده في النار ألبتة ( فقال لله أرحم بعباده ) أي : المؤمنين ، أو مطلقا ( من هذه بولدها ) وهنا يفتح باب القدر والقضاء ، ويموج بحر السر الإلهي الذي يضيق فيه القضاء فالتسليم فيه أسلم والله أعلم ، ولابن حجر هنا اعتراض وكلام مما لا يلتفت إليه في المقام ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية