الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              2740 2897 - حدثنا عبد الله بن محمد ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، سمع جابرا ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يأتي زمان يغزو فئام من الناس ، فيقال فيكم من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال نعم . فيفتح عليه ، ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال : نعم . فيفتح ، ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صحب صاحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال : نعم . فيفتح " . [3594 ، 3649 - مسلم: 2532 - فتح: 6 \ 88]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ثم ساق حديث مصعب بن سعد قال : رأى سعد - صلى الله عليه وسلم - أن له فضلا على من دونه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ؟ " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي سعيد الخدري ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "يأتي زمان يغزو فئام من الناس ، فيقال فيكم من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال نعم . فيفتح عليهم ، ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صحب أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال : نعم . فيفتح ، ثم يأتي زمان فيقال : فيكم من صحب صاحب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فيقال : نعم . فيفتح " .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 605 ] الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              التعليق عن ابن عباس سلف أول الكتاب وغيره مسندا .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث سعد من أفراده وعند الإسماعيلي : "إنما نصر " وفي لفظ : "نصر الله هذه الأمة بضعفائهم بدعواتهم وصلواتهم وإخلاصهم " وفي لفظ : ظن أن له فضلا على من دونه من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                                                                                                                              وللنسائي : "بصومهم وصلاتهم ودعائهم " .

                                                                                                                                                                                                                              ولعبد الرزاق عن مكحول أن سعدا قال : يا رسول الله ، أرأيت رجلا يكون حامية القوم ، ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره ; فقال - صلى الله عليه وسلم - : "ثكلتك أمك يا ابن أم سعد ، وهل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم ؟! " .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أبي سعيد سيأتي في أعلام النبوة وغيرها ، وتأويل ذلك أن عبادة الضعفاء ودعاءهم أشد إخلاصا وأكثر خشوعا لخلو قلوبهم من التعلق بزخرف الدنيا وزينتها ، وصفاء ضمائرهم مما يقطعهم عن الله تعالى ، فجعلوا همهم هما واحدا فزكت أعمالهم ، وأجيب دعاؤهم . وعبارة ابن التين تعني : أنهم قليلو المال والعشائر ; لأنهم من قبائل شتى ، يدعون من أقاصي البلاد ، وهم أهل الصفة ، حبسوا أنفسهم لله ، فأكثر قصدهم الغزو والصلاة والدعاء .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : إنما أراد - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول لسعد الحض على التواضع ، ونفي الكبر والزهو عن قلوب المؤمنين .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 606 ] ففيه من الفقه : أن من زها على من هو دونه ، أنه ينبغي أن يبين من فضله ما يحدث له في نفس المزهو مقدارا وفضلا حتى لا يحتقر أحدا من المسلمين ، ألا ترى أنه - صلى الله عليه وسلم - أبان من حال الضعفاء ما ليس لأهل القوة من الغناء ، فأخبر أن بدعائهم وصومهم وصلاتهم ينصرون .

                                                                                                                                                                                                                              ويمكن أن يكون هذا المعنى الذي لم يذكره في حديث سعد الذي (ذكرناه ) الذي رأى به الفضل لنفسه على من دونه ، وفي حديث أبي سعيد ما يشهد لصحته ، ويوافق معناه قوله - صلى الله عليه وسلم - : "خيركم قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم " ; لأنه يفتح لهم لفضلهم ثم يفتح للتابعين لفضلهم ، ثم يفتح لتابعيهم ، فأوجب الفضل للثلاثة القرون ، ولم يذكر الرابع ، ولم يذكر له فضلا فالنصر منهم أقل .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه : معجزة لسيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفضله لأصحابه وتابعيهم .

                                                                                                                                                                                                                              والفئام : بفاء مكسورة وهمزة ، ويقال بتخفيفها ، وثالثة فتح الفاء ذكره ابن عديس ، قال الأزهري والجوهري : العامة تقول فيام بلا همز ، وهي الجماعة من الناس وغيرهم ، قاله صاحب "العين " ، ولا واحد له من لفظه .

                                                                                                                                                                                                                              وجاء في لفظ : "هل فيكم من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " بدل من "صحب " ، وهو رد لقول جماعة من المتصوفة القائلين أن سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يره أحد في صورته ، ذكره السمعاني .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية